كذلكَ مِنْ أَعظمِ المُنفِّراتِ، والسُّكوتُ عنهُ مِنْ أَقبحِ التَّدليسِ والغشِّ، وهوَ مُنافٍ للدِّينِ، والإطلاقُ إنَّما يَنصرفُ إلى السَّلامةِ، فهوَ كالمَشروطِ عُرفًا، وقد قالَ أميرُ المُؤمنِينَ عمرُ بنُ الخطَّابِ ﵁ لمَن تزوَّجَ امرأةً وهوَ لا يُولَدُ لهُ: «أَخبِرْهَا أنَّكَ عَقِيمٌ وخَيِّرْها»، فماذا يقولُ ﵁ في العُيوبِ الَّتي هذا عِندَها كمالٌ لا نقصٌ؟!
والقِياسُ أنَّ كلَّ عَيبٍ يُنفِّرُ الزوجَ الآخَرَ منهُ ولا يَحصلُ بهِ مَقصودُ النِّكاحِ مِنَ الرَّحمةِ والمودَّةِ يُوجِبُ الخيارَ، وهو أَولى مِنْ البَيعِ، كما أنَّ الشُّروطَ المُشتَرَطةَ في النكاحِ أَولى بالوفاءِ مِنْ شُروطِ البَيعِ، وما أَلزمَ اللهُ ورسولُه مَغرورًا قطُّ ولا مَغبونًا بما غُرَّ بهِ وغُبنَ به، ومَن تدبَّرَ مَقاصدَ الشَّرعِ في مَصادرِهِ ومَواردِهِ وعدلِهِ وحِكمتِه وما اشتَملَ عليهِ مِنَ المَصالحِ لم يَخْفَ عليهِ رُجحانُ هذا القولِ وقربُهُ مِنْ قواعدِ الشَّريعةِ (١).
وقالَ الكاسانِيُّ ﵀: فَصلٌ: وأمَّا خُلوُّ الزَّوجِ عمَّا سِوى هذهِ العيوبِ الخَمسةِ منَ الجَبِّ والعُنَّةِ والتأَخُّذِ والخِصاءِ والخُنوثَةِ؛ فهلْ هوَ شرطُ لزومِ النكاحِ؟
قالَ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ: ليسَ بشَرطٍ ولا يُفسخُ النِّكاحُ بهِ.
وقالَ محمَّدٌ: خُلوُّهُ مِنْ كلِّ عَيبٍ لا يُمكِنُها المقامُ معهُ إلَّا بضَررٍ كالجُنونِ والجُذامِ والبَرَصِ شَرطُ لزومِ النكاحِ، حتَّى يُفسخُ بهِ النكاحُ، وخلوُّهُ عمَّا سِوى ذلكَ ليسَ بشَرطٍ، وهو مَذهبُ الشَّافعيِّ.
(١) «زاد المعاد» (٥/ ١٨٢، ١٨٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute