وأمَّا مَنْ سِوى هؤلاءِ مِنْ الكفَّارِ مثلَ المُتمسِّكِ بصُحفِ إبراهيمَ وشِيث وزَبورِ داودَ فليسُوا بأهلِ كتابٍ، ولا تَحلُّ مُناكَحتُهم ولا ذبائِحُهم، وهذا قَولُ الشافعيِّ، وذكَرَ القاضي فيهم وَجهًا آخَرَ أنهم مِنْ أهلِ الكِتابِ وتَحلُّ ذَبائحُهم ونكاحُ نسائِهم ويُقرَّونَ بالجِزيةِ؛ لأنهم تَمسَّكُوا بكتابٍ مِنْ كُتبِ اللهِ، فأشبَهُوا اليهودَ والنَّصارَى.
ولنا: قولُ اللهِ تعالَى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [الأنعام: ١٥٦]، ولأنَّ تلكَ الكُتبَ كانَتْ مَواعِظَ وأمثالًا لا أحكامَ فيها، فلمْ يَثبتْ لها حُكمُ الكُتبِ المُشتمِلةِ على الأحكامِ (١).
وقد سُئلَ شيخُ الإسلامِ ﵀ عن قولِه تعالَى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ وقد أباحَ العُلماءُ التَّزويجَ بالنَّصرانيةِ واليَهوديةِ، فهل هُما مِنْ المُشركينَ أم لا؟
فأجابَ: الحَمدُ للهِ، نكاحُ الكِتابيةِ جائزٌ بالآيةِ الَّتي في المائِدة، قال تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥]، وهذا مَذهبُ جَماهيرِ السَّلفِ والخلَفِ مِنْ الأئمَّةِ الأربَعةِ وغيرِهم، وقد رُويَ عن ابنِ عُمرَ أنه كَرِهَ نكاحَ النصرانيةِ وقالَ: «لا أعلَمُ شِركًا أعظَمَ ممَّن تَقولُ: إنَّ رَبَّها عيسى ابنُ مَريمَ»، وهو اليومَ مَذهبُ طائفةٍ مِنْ أهلِ البدَعِ.
(١) «المغني» (٧/ ٩٩، ١٠٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute