وإذا كانَ أحَدُ الخبَرينِ أكثرَ نقَلَةً ورُواةً قُدِّمَ على مُخالِفهِ؛ فإنَّ تطرُّقَ الوَهمِ والخطأِ إلى الواحدِ أولَى مِنْ تطرُّقِه إلى العَددِ، لا سيَّما إذا كانَ العدَدُ أقرَبَ إلى الضَّبطِ وأجدَرَ بمَعرفةِ باطنِ الحالِ. السادسُ: أنَّ في روايةِ عكرمةَ عن ابنِ عباسٍ «أنَّ النبيَّ ﷺ تزوَّجَها وهُمَا مُحرمانِ، وأنَّ عقْدَ النكاحِ كانَ بسرفٍ»، ولا ريبَ أنَّ هذا غلطٌ؛ فإنَّ عامَّةَ أهلِ السِّيَرِ ذكَرُوا أنَّ مَيمونةَ كانتْ قد بانَتْ مِنْ زَوجِها بمكةَ، ولم تكنْ معَ النبيِّ ﷺ في عُمرَتِه، فإنه لم يَقدمْ بها مِنْ المدينةِ، وإذا كانَتْ مُقيمةً بمكةَ فكيفَ تكونُ مُحرِمةً معه بسَرفٍ؟ أم كيفَ وإنما بعَثَ إليها جعفرَ بنَ أبي طالِبٍ خطَبَها؟ وهو يُوهِنُ الحديثَ ويُعلِّلُه. السابعُ: أنَّ النبيَّ ﷺ تزوَّجَها في عُمرةِ القَضيةِ في خُروجِه ورجَعَ بها معه مِنْ مكةَ، وإنما كانَ يُحرِمُ مِنْ ذِي الحُليفةِ، فيُشبِهُ أنْ تكونَ الشبهةُ دخَلَتْ على مَنْ اعتَقدَ أنه تزوَّجَها مُحرِمًا مِنْ هذه الجهةِ، فإنَّ ظاهرَ الحالِ أنه تزوَّجَها في حالِ إحرامِه. أمَّا مَنْ روَى أنه تزوَّجَها حلالًا فقدِ اطَّلعَ على حقيقةِ الأمرِ وأخبَرَ به، فإمَّا أنْ يكونَ تزوَّجَها قبلَ الإحرامِ أو بعدَ قَضاءِ عُمرَتِه، لا سيَّمَا ومَن روَى أنه تزوَّجَها قبلَ الإحرامِ معهُ مَزيدُ علمٍ. وقد روَى مالكٌ عن ربيعةَ عن سليمانَ بنِ يسارٍ: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ بعَثَ مَولاهُ أبا رافعٍ ورَجلًا مِنْ الأنصارِ فزوَّجاهُ مَيمونةَ بنتَ الحارثِ ورَسولُ اللهِ ﷺ بالمدينةِ قبلَ أنْ يَخرجَ»، ورواهُ الحميديُّ عن عبدِ العزيزِ بنِ مُحمدٍ عن ربيعةَ عن سُليمانَ بنِ يسارٍ: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ بعَثَ العباسَ بنَ عبدِ المطَّلبِ وأبا رافعٍ فزوَّجاهُ بسرفٍ وهو حَلالٌ بالمدينةِ»، وهذا فيه نظَرٌ، وهذا الحديثُ وإنْ كانَ مُرسَلًا فهو يُقوَّى مِنْ جهتَينِ:=