للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحيحينِ مِنْ حَديثِ أبي هُريرةَ يَرفعُه: «لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتى تُستأمَرَ، ولا البِكرُ حتَّى تُستأذَنَ»، وفيهِما أيضًا مِنْ حديثِ عائِشةَ قالَتْ: قلتُ: «يا رَسولَ اللهِ تُستأمَرُ النِّساءُ في أبضاعِهنَّ؟ قالَ: نَعمْ، قلتُ: فإنَّ البِكرَ تُستأذَنُ فتَستحِي؟ قالَ: إذنُها صُماتُها»، فنَهى أنْ تُنكَحَ بدونِ استِئذانِها وأمَرَ بذلكَ وأخبَرَ أنه هو شَرعُه وحُكمُه، فاتَّفقَ على ذلكَ أمرُه ونهيُه وخبَرُه، وهو مَحضُ القِياسِ والمِيزان (١).

وقالَ في «الزَّاد»: لا تُجبَرُ البِكرُ البالغُ على النكاحِ، ولا تزوَّجُ إلا برِضاها، وهذا قَولُ جُمهورِ السَّلفِ ومَذهبُ أبي حَنيفةَ وأحمدَ في إحدى الرِّواياتِ عنه، وهو القَولُ الذي نَدِينُ اللهَ به ولا نَعتقدُ سِواهُ، وهو المُوافِقُ لحُكمِ رسولِ اللهِ وأمرِه ونهيِه وقَواعدِ شَريعتِه ومَصالحِ أمَّتِه.

أمَّا مُوافَقتُه لحُكمِه: فإنه حكَمَ بتَخييرِ البِكرِ الكارِهةِ …

وأمَّا مُوافَقةُ هذا القَولِ لأمرِه: فإنه قالَ: «والبِكرُ تُستأذَنُ»، وهذا أمرٌ مُؤكَّدٌ؛ لأنه ورَدَ بصِيغةِ الخبَرِ الدالِّ على تحقُّقِ المخبَرِ به وثُبوتِه ولُزومِه، والأصلُ في أوامِرِه أنْ تكونَ للوُجوبِ ما لم يَقمْ إجماعٌ على خِلافِه.

وأمَّا مُوافَقتُه لنهيِه: فلقولِه: «لا تُنكَحُ البِكرُ حتَّى تُستأذَنَ»، فأمَرَ ونهَى وحكَمَ بالتَّخييرِ، وهذا إثباتٌ للحُكمِ بأبلَغِ الطرقِ.


(١) «إعلام الموقعين عن رب العالمين» (١/ ٣١٠، ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>