مُوجِبةً للحَجرِ فهذا مُخالِفٌ لأصولِ الإسلامِ؛ فإنَّ الشَّارعَ لم يَجعلِ البَكارةَ سَببًا للحَجرِ في مَوضعٍ مِنْ المَواضعِ المُجمَعِ عليها، فتَعليلُ الحَجرِ بذلكَ تَعليلٌ بوَصفٍ لا تأثيرَ له في الشرعِ.
وأيضًا: فإنَّ الذينَ قالُوا بالإجبارِ اضْطَربُوا فيما إذا عيَّنَتْ كُفؤًا وعيَّنَ الأبُ كُفؤًا آخَرَ، هل يُؤخَذُ بتَعيينِها أو بتَعيينِ الأبِ؟ على وجهَينِ في مَذهبِ الشافعيِّ وأحمدَ، فمَن جعَلَ العِبرةَ بتَعيينِها نقَضَ أصْلَه، ومَن جعَلَ العِبرةَ بتَعيينِ الأبِ كانَ في قَولِه مِنْ الفَسادِ والضَّررِ والشَّرِّ ما لايَخفَى؛ فإنه قد قالَ النبيُّ ﷺ في الحَديثِ الصَّحيحِ: «الأيِّمُ أحَقُّ بنَفسِها مِنْ وَليِّها، والبِكرُ تُستأذَنُ، وإذنُها صُماتُها»، وفي رِوايةٍ: «الثيِّبُ أحَقُّ بنَفسِها مِنْ وليِّها»، فلمَّا جعَلَ الثيِّبَ أحَقَّ بنفسِها دَلَّ على أنَّ البِكرَ ليسَتْ أحَقَّ بنَفسِها، بل الوَليُّ أحَقُّ، وليسَ ذلكَ إلا للأبِ والجَدِّ، هذهِ عُمدَةُ المُجبِرينَ، وهُمْ ترَكُوا العمَلَ بنَصِّ الحَديثِ وظاهِرِه، وتَمسَّكُوا بدَليلِ خِطابِه ولم يَعلمُوا مُرادَ الرَّسولِ ﷺ، وذلكَ أنَّ قولَه: «الأيِّمُ أحَقِّ بنَفسِها مِنْ وَليِّها» يَعمُّ كلَّ وَليِّ، وهُمْ يَخصُّونَه بالأبِ والجَدِّ.
(والثَّاني): قولُه: «والبِكرُ تُستأذَنُ»، وهُمْ لا يُوجِبونَ استِئذانِها، بل قالُوا: هو مُستحَبٌّ، حتَّى طرَدَ بعضُهم قياسَه، وقالُوا: لمَّا كانَ مُستحَبًّا اكتَفَى فيه بالسُّكوتِ، وادَّعى أنه حَيثُ يجبُ استِئذانُ البكرِ فلا بُدَّ مِنْ النُّطقِ، وهذا قالَه بعضُ أصحابِ الشافعيِّ وأحمَدَ، وهذا مُخالِفٌ لإجماعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute