وإنْ كانَا مُعتقدَينِ لتَحريمِه يرَيانِ فيه مَذهبَ الشافعيِّ مِنْ إبطالِ النكاحِ بغيرِ وَليٍّ فمَحظورٌ عليهِما الإصابةُ، فإنِ اجتَمعَا عليها ووَطئَها فمَذهبُ الشافعيِّ وجُمهورِ الفُقهاءِ أنه لا حَدَّ عليهِما، وقالَ أبو بَكرٍ الصَّيرفِيُّ مِنْ أصحابِ الشافعيِّ -وهو مَذهبُ الزُّهريِّ وأبي ثَورٍ-: الحَدُّ عليهِما واجِبٌ؛ لرِوايةِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «البَغِيُّ مَنْ نكَحَتْ بغَيرِ وَليٍّ»، والأثَر المَرويُّ عن عُمرَ في المَرأةِ والرَّجلِ جَمعَتْهُما رِفقةٌ فوَلَّتْ أمْرَها رَجلًا منهُم فزوَّجَها فجلَدَ الناكِحَ والمُنكِحَ.
والدَّليلُ على سُقوطِ الحَدِّ قولُه ﷺ في الخبَرِ الماضي: «أيُّما امرأةٍ نكَحَتْ بغَيرِ إذْنِ وَليِّها فنِكاحُها باطِلٌ»، فأُبطِلَ النكاحُ وأُوجِبَ المهرُ دونَ الحَدِّ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «ادرَؤُوا الحُدودَ بالشُّبُهاتِ»، وأقوَى الشُّبهاتِ عَقدٌ اختَلفَ الفُقهاءُ في إباحتِه، فكانَ بإدراءِ الحَدِّ أَولى.
فأمَّا قولُه: «البَغِيُّ مَنْ نكَحَتْ بغَيرِ وَليٍّ» فهيَ لا تكونُ بَغيًّا بالنكاحِ إجماعًا، وإنما يَقولُ مَنْ يُوجِبُ الحَدَّ: «إنها تَكونُ بالوَطءِ بَغيًّا»، فلمْ يَكنْ في التعلُّقِ به دَليلٌ، ثمَّ يُحمَلُ على أنه يَتعلَّقُ عليها بعضُ أحكامِ البَغيِ، وهو تَحريمُ الوَطءِ، ولا يَمتنعُ أنْ يُسمَّى بعضُ أحكامِ البَغيِ بغيًا، كما قالَ ﷺ: «مَنْ ترَكَ الصَّلاةَ فقدْ كفَرَ»، فسمَّاهُ ببَعضِ أحكامِ الكُفرِ كافِرًا.
وأمَّا الأثرُ عن عُمرَ فالجَلدُ فيه عِبارةُ عن التَّعزيرِ، ألَا تَراهُ جلَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute