للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي: يُكرهُ التَّعرِّي في الخَلوةِ ولا يَحرمُ، ومِن أصحابِنا مَنْ يَحكِيها على رِوايتينِ، والأولُ أبيَنُ في كَلامِ أحمدَ وأشبَهُ بظاهِرِ السُّنةِ؛ لأنَّ النبيَّ قالَ لمُعاويةَ بنِ حَيدةَ: «فاللهُ أحَقُّ أن يُستَحيَى منه» لمَّا قالَ لهُ: فإنْ كانَ أحَدُنا خاليًا، و «نهَى أنْ يَحتبِئَ الرَّجلُ في ثوبٍ واحدٍ يُفضِي بفَرجِه إلى السَّماءِ»، وفي لَفظٍ «ليسَ على فَرجِه منه شيءٌ» رواهُ الجَماعةُ، وعنِ ابنِ عُمرَ أنَّ النبيَّ قالَ: «إيَّاكُم والتَّعرِّيَ، فإنَّ معكُم مَنْ لا يُفارِقُكم إلَّا عندَ الغائِطِ وحينَ يُفضِي الرَّجلُ إلى أهلِه، فاستَحيُوهم وأَكرِموهُم» رواهُ التِّرمذيُّ، وعَن عُتبةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ السُّلميِّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : «إذا أتَى أحَدُكم أهلَه فلْيَستتِرْ، ولا يَتجرَّدَا تَجرُّدَ العَيرَينِ» رواهُ ابنُ ماجَه.

ولأنَّ اللهَ أحَقُّ أنْ يُستَحيَى منهُ مِنْ النَّاسِ، وكذلكَ مَلائكتُه وغيرُهم مِنْ خَليقَتِه، فتَجبُ السُّترةُ في الخَلوةِ كما تَجبُ عن أعيُنِ الناسِ، ولهذا وجَبَتِ في الصَّلاةِ خَلوةً، وليسَ الاستِتارُ لأجلِ الاستِخفاءِ مِنْ اللهِ تعالَى؛ إذ هو سُبحانَه بَصيرٌ لا تَخفَى عليهِ خافِيةٌ، وإنَّما ذلك ظَنُّ الذينَ كَفَروا والذينَ أخبَرَ اللهُ عنهم بقولِه: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [هود: ٥]، ولكنْ يعني الاستِحياءُ منهُ مَبلغَ الجُهدِ، كما أخبَرَ اللهُ تعالَى عن آدَمَ وحوَّاءَ حينَ بَدَتْ سَوآتُهما أنَّهما طَفِقَا يَخصِفانِ عليهما مِنْ وَرقِ الجنَّةِ، وكما كانَ أبو بكرٍ الصِّديقُ يقولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>