للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الإمامُ ابنُ قُدامةَ فاختارَ أنه يَجوزُ له أنْ يَنظرَ إليها إلى ما يَظهرُ مِنها غالِبًا، قالَ ابنُ قُدامةَ : العَجوزُ الَّتي لا يُشتهَى مِثلُها يُباحُ النَّظرُ منها إلى ما يَظهرُ غالِبًا؛ لقَولِ الله تعالَى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ [النور: ٦٠]، قالَ ابنُ عبَّاسٍ في قولِه تعالَى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قالَ: فنُسخَ واستُثنيَ مِنْ ذلكَ القَواعدُ مِنْ النِّساءِ اللَّاتي لا يَرجونَ نِكاحًا، ولأنَّ ما حَرُمَ النَّظرُ لأجْلِه مَعدومٌ في حَقِّها، فأشبَهَتْ ذواتَ المَحارمِ، وفي مَعناها الشُّوهاءُ الَّتي لا تُشتهَى.

ومَن ذهَبَتْ شَهوتُه مِنْ الرِّجالِ لكِبَرٍ أو مَرضٍ أو تَخنيثٍ فحُكمُه حُكمُ ذِي المَحرَمِ في النَّظرِ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] أي: الَّذي لا إربَ له في النِّساءِ، كذلكَ فسَّرَه مُجاهدٌ وقَتادةُ، ونَحوُه عنِ ابنِ عبَّاسٍ .

قالَتْ عائِشةُ : «دخَلَ على أزواجِ رسولِ اللهِ مُخَنَّثٌ وكانُوا يَعدُّونَه مِنْ غيرِ أولِي الإربَةِ، فدخَلَ علينا النبيُّ وهو يَنعَتُ امرأةً، قالَ: إذا أقبَلَتْ أقبَلَتْ بأربَعٍ، وإذا أدبَرَتْ أدبَرَتْ بثَمانٍ؛ فقالَ النبيُّ أَلَا أَرَى هذا يَعلمُ ما هاهُنا، لا يَدخلَنَّ عليكُم هذا» (١)، فأجازَ دُخولَه عَليهنَّ حينَ عَدَّه مِنْ غيرِ أُولي الإربَةِ، فلمَّا عَلِمَ ذلكَ منه حَجَبَه (٢).


(١) إسناده صَحِيحٌ: رواه أحمد (٢٥٢٢٦).
(٢) «المغني» (٧/ ٧٨)، و «الكافي» (٣/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>