للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو في العُدولِ عنهُما إلى غيرِهِما، وليسَ في الاستِشارةِ دَليلٌ على تَرجيحِ أحَدِ الأمرينِ ولا مَيلٍ إلى أحِدِهما، على أنها إنَّما ذكَرَتْ ذلكَ للنبيِّ لتَرجعَ إلى قولِه ورَأيِه، وقد أشارَ عليها بتَركِهما؛ لِمَا ذكَرَ مِنْ عَيبِهما، فجَرَى ذلكَ مَجرَى رَدِّها لهُما وتَصريحِها بمَنعِهما.

ومِن وجهٍ آخَرَ أنَّ النبيَّ قد سبَقَهما بخِطبتِها تَعريضًا بقَولِه لها ما ذكَرْنا، فكانَتْ خِطبتُه بعدَهُما مَبنيَّةً على الخِطبةِ السَّابقةِ لهُما، بخِلافِ ما نحنُ فيهِ (١).

وذهَبَ الشَّافعيةُ في الجَديدِ -وهو المَذهبُ عِندَهم- والحَنابلةُ في قَولٍ إلى أنهُ لا تَحرمُ خِطبتُها بالرِّضا حتَّى يُصرِّحَ وليُّها بالإذنِ أو تُصرِّحَ هيَ؛ لأنَّ الأصلَ إباحةُ الخِطبةِ ما لم تَتحقَّقْ شُروطُ الحَظرِ، ولأنَّ النبيَّ خطَبَ فاطِمةَ بنتَ قَيسٍ لأسامةَ بعدَ أنْ أخبَرَتْه أنَّ مُعاويةَ وأبا الجَهمِ خَطَباها، ولم يَسألْها: هل ركَنْتِ إلى أحَدِهما أو رَضِيتِ بهِ أم لا؟ فدَلَّ على أنَّ الحُكمَ لا يَختلفُ بذلكَ، ولأنَّ الظاهِرَ مِنْ حالِها أنها ما جاءَتْ تَستَشيرُه إلَّا وقد رَضيَتْ بذلكَ وركَنَتْ إليهِ (٢).


(١) «المغني» (٧/ ١١٠، ١١١).
(٢) «الحاوي الكبير» (٩/ ٢٥١، ٢٥٢)، و «المهذب» (٢/ ٤٨)، و «البيان» (٩/ ٢٨٤، ٢٨٥)، ويُنظَر: «بدائع الصنائع» (٥/ ٣٣٢، ٣٣٣)، وقالَ الكاسانِيُّ : إذا خطَبَ رَجلٌ امرأةً وركَنَ قَلبُها إليهِ يُكرهُ لغيرِه أنْ يَخطبَها؛ لِما رَوَينا، وإنْ لم يَركنْ فلا بأسَ بهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>