لمَا بيَّنَّاه، ولا بُدَّ من فَصلٍ بينَهما، وقُدِّرَ ذلك بثَلاثةِ أيامٍ؛ لأنَّها مُدةٌ قَريبةٌ؛ لأنَّها آخِرُ حدِّ القِلةِ وأوَّلُ حَدِّ الكَثرةِ، والضَّررُ يَزولُ عنهما بذلك.
والرابِعُ -قالَه في الجَديدِ-: (خيارُه على الفَورِ) فإذا أخَّرَ الطَّلبَ من غيرِ عُذرٍ سقَطَت شُفعتُه، وبه قالَ أَبو حَنيفةَ، وهو الصَّحيحُ؛ لقَولِه ﷺ:«الشُّفعةُ لمَن واثَبَها»، ورُوي عنه ﷺ أنَّه قالَ:«الشُّفعةُ كنَشطةِ العِقالِ، إنْ قيِّدَت ثبَتَت، وإنْ تُرِكت فاللَّومُ على مَنْ ترَكَها»، ولأنَّه خيارٌ لإِزالةِ الضَّررِ عن المالِ فكانَ على الفَورِ كخيارِ الرَّدِّ بالعَيبِ، وفيه احِترازٌ من خيارِ القِصاصِ.
فإذا قُلنا بهذا، وعليه التَّفريعُ: فمَعنى قَولِنا: (على الفَورِ) هو أنْ يُطالبَه على حَسبِ ما جَرَت العادةُ به، لا على أسرَعِ ما يُمكنُ، حتى لو أمكَنَه أنْ يَطرُدَ مَركوبَه، أو يُسرِعَ في السَّيرِ، فلم يَفعَلْ تَبطُلُ شُفعتُه؛ لأنَّ هذا لا يَقولُه أحدٌ، ولكنْ على حَسبِ العادةِ، فإنْ علِمَ ذلك باللَّيلِ فليسَ عليه أنْ يُطالِبَه حتى يُصبحَ؛ لأنَّ العادةَ في اللَّيلِ الإِيواءُ والسَّكنُ دونَ المُطالَبةِ بالحُقوقِ، وكذلك: إنْ علِمَ وهو جائِعٌ أو عَطشانُ لم يَكُنْ عليه أنْ يُطالِبَ حتى يَفرُغَ من الأكلِ والشُّربِ، وكذلك: إنْ علِمَ به وهو في الحَمَّامِ لم يَكُنْ عليه أنْ يُطالَبَ حتى يَخرجَ منه، وكذلك: إنْ كانَ يُريدُ الصَّلاةَ فله أنْ يَتطهَّرَ، ويَلبَسَ الثَّوبَ، ويُؤذِّنَ، ويَأتِيَ بسُننِ الصَّلاةِ وهَيئاتِها، ولا تَبطُلُ شُفعتُه بذلك؛ لأنَّ العادةَ جَرَت بتَقديمِ هذه الحَوائجِ على غيرِها، وكذلك إذا أخَّرَه لإِغلاقِ البابِ، وحِفظِ المالِ، وتَحصيلِ المَركوبِ إنْ كانَت عادَتُه الرُّكوبَ، أو