وإنْ علِمَ بالبَيعِ وقَدْرِ الثَّمنِ والمُشتَري فلا يَخلو من أنْ يَكونَ له عُذرٌ، أو ألَّا يَكونَ له عُذرٌ.
فإنْ لم يَكُنْ له عُذرٌ، وطالَبَ بالشُّفعةِ على الفَورِ صَحَّ ذلك، وإنْ أخَّرَ الطَّلبَ عن الفَورِ فهل تَسقُطُ شُفعتُه؟ فيه أربَعةُ أَقوالٍ:
أحدُها -قالَه في القَديمِ- (له الخيارَ على التأبيدِ لا يَسقُطُ إلا بالعَفوِ، أو بما يَدلُّ على التَّركِ، بأنْ يَقولَ للمُشتَري: قاسِمْني، أو بِعْني، وليسَ للمُشتَري أنْ يَرفعَه إلى الحاكِمِ ليُجبِرَه على الأخْذِ أو التَّركِ).
ووَجهُه: قَولُه ﷺ: «فإنْ باعَه ولم يُؤذِنْه فشَريكُه أحَقُّ» ولم يُفرِّقْ.
ولأنَّه استِيفاءُ حَقٍّ له، فجازَ له تأخيرُه إلى أيِّ وَقتٍ شاءَ، كالقِصاصِ.
والقَولُ الثانِي -قالَه في القَديمِ أيضًا-: (على التَّراخي لا يَسقُطُ إلا بصَريحِ العَفوِ، أو بما يَدلُّ عليه)، إلا أنَّ للمُشتَري أنْ يَرفعَه إلى الحاكِمِ ليُجبِرَه على الأخْذِ أو التَّركِ؛ لأنَّا لو قُلنا: إنَّه على الفَورِ، أضرَرْنا بالشَّفيعِ؛ لأنَّ الحَظَّ له أنْ يُؤخِّره ليَنظُرَ: هل الحَظُّ في الأخْذِ أو في التَّركِ؟ ولو قُلنا: إنَّه على التأبيدِ أضرَرْنا بالمُشتَري؛ لأنَّه لا يَغرِسُ في أرضِه ولا يَبني؛ مَخافةَ أنْ يَنتزعَ ذلك منه، فجُعلَ له الخيارُ إلى أنْ يَرفعَه المُشتَري إلى الحاكِمِ.
والقَولُ الثالِثُ -قالَه الشافِعيُّ في (سير)«حرملة» -: (للشَّفيعِ الخيارُ إلى ثَلاثةِ أيامٍ)؛ لأنَّه لا يُمكنُ أنْ يُجعَلَ له الخِيارُ على التأبيدِ ولا على الفَورِ