للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِبةٌ يُعتبَرُ لها شُروطُ الهِبةِ، والنَّقصُ إِبراءٌ مُبتَدأٌ، ولا يَثبُتُ ذلك في حَقِّ الشَّفيعِ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ.

وقالَ أَبو حَنيفةَ: يَثبُتُ النَّقصُ في حَقِّ الشَّفيعِ دونَ الزِّيادةِ، وإنْ كانَ عندَه يُلحَقانِ بالعَقدِ؛ لأنَّ الزِّيادةَ تَضرُّ الشَّفيعَ فلم يَملِكْها بخِلافِ النَّقصِ.

وقالَ مالِكٌ: إنْ بَقيَ ما يَكونُ ثَمنًا أُخذَ به، وإنْ حَطَّ الأكثَرَ أخَذَه بجَميعِ الثَّمنِ الأولِ.

ولنا: أنَّ ذلك يُعتبَرُ بعدَ استِقرارِ العَقدِ فلم يَثبُتْ في حَقِّ الشَّفيعِ كالزِّيادةِ، ولأنَّ الشَّفيعَ استحَقَّ الأخْذَ بالثَّمنِ الأولِ قبلَ التَّغييرِ فلم يُؤثِّرِ التَّغييرُ بعدَ ذلك فيه كالزِّيادةِ، وما ذَكَروه من العُذرِ غيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّ ذلك لو لحِقَ العَقدَ لزِمَ الشَّفيعَ وإنْ أضَرَّ به كالزِّيادةِ في مُدةِ الخيارِ، ولأنَّه حَطَّ بعدَ لُزومِ العَقدِ فأشبَهَ حَطَّ الجَميعِ أو الأكثَرِ عندَ مالِكٍ.

فَصلٌ: وإنْ كانَ الثَّمنُ ممَّا تَجبُ قيمَتُه فإنَّها تُعتبَرُ وَقتَ البَيعِ؛ لأنَّه وَقتُ الاستِحقاقِ، ولا اعتِبارَ بعدَ ذلك بالزِّيادةِ والنَّقصِ، وإنْ كانَ فيه خيارٌ اعتُبِرت القيمةُ حين انقِضاءِ الخيار واستِقرارِ العَقدِ؛ لأنَّه وَقتُ استِحقاقِ الشُّفعةِ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ، وحُكيَ عن مالِكٍ أنَّه يأخُذُه بقيمَتِه يَومَ المُحاكَمةِ، وليسَ بصَحيحٍ؛ لأنَّ وَقتَ الاستِحقاقِ وَقتُ العَقدِ، وما زادَ بعدَ ذلك حصَلَ في مِلكِ البائِعِ فلا يَقومُ للمُشتَري، وما نقَصَ فمِن مالِ البائِعِ فلا يَنقُصُ به حَقُّ المُشتَري (١).


(١) «المغني» (٥/ ٢٠٠، ٢٠١)، ويُنْظَر: «شرح الزركشي» (٢/ ١٧٠)، و «إعلام الموقعين» (٣/ ٢٩٨)، و «المبدع» (٥/ ٢٢٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٩٤)، و «منار السبيل» (٢/ ٢٧٢)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ١٣٦)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٠٩)، و «الاختيار» (٢/ ٥٦)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٩٣)، و «اللباب» (١/ ٥١٦)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٩٥)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ١٦٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٢١٤، ٢١٥)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٤٣٣)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٢٨)، و «تحفة المحتاج» (٧/ ١٢٦، ١٢٧)، و «الديباج» (٢/ ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>