للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثبَتَ هذا فإنَّا نَنظُرُ في الثَّمنِ، فإنْ كانَ دَنانيرَ أو دَراهمَ أَعطاه الشَّفيعُ مِثلَه، وإنْ كانَ ممَّا لا مِثلَ له كالثِّيابِ والحَيوانِ فإنَّ الشَّفيعَ يَستحِقُّ الشِّقصَ بقيمةِ الثَّمنِ، وهذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، وبه يَقولُ أَصحابُ الرأيِ والشافِعيُّ، وحُكيَ عن الحَسنِ وسَوَّارٍ أنَّ الشُّفعةَ لا تَجبُ ههنا؛ لأنَّها تَجبُ بمِثلِ الثَّمنِ، وهذا لا مِثلَ له، فتَعذَّرَ الأخْذُ فلم يَجِبْ كما لو جهِلَ الثَّمنَ.

ولنا: أنَّه أحدُ نَوعَيِ الثَّمنِ فجازَ أنْ تَثبُتَ به الشُّفعةُ في المَبيعِ كالمِثليِّ، وما ذَكَروه لا يَصحُّ؛ لأنَّ المِثلَ يَكونُ من طَريقِ الصُّورةِ ومِن طَريقِ القيمةِ، كبَدلِ المُتلَفِ.

فأمَّا إنْ كانَ الثَّمنُ من المِثلياتِ غيرِ الأَثمانِ كالحُبوبِ والأَدهانِ فقالَ أَصحابُنا: يأخُذُه الشَّفيعُ بمِثلِه؛ لأنَّه من ذَواتِ الأَمثالِ فهو كالأَثمانِ، وبه يَقولُ أَصحابُ الرأيِ وأَصحابُ الشافِعيِّ، ولأنَّ هذا مِثلٌ من طَريقِ الصُّورةِ والقيمةِ، فكانَ أَولى من المُماثِلِ في إِحداهما، ولأنَّ الواجِبَ بَدلُ الثَّمنِ، فكانَ مِثلَه كبَدلِ القَرضِ والمُتلَفِ.

فَصلٌ: ويَستحِقُّ الشَّفيعُ الشِّقصَ بالثَّمنِ الذي استقَرَّ عليه العَقدُ: فلو تَبايَعا بقَدرٍ ثم غَيَّراه في زَمنِ الخيارِ بزِيادةٍ أو نَقصٍ ثبَتَ ذلك التَّغييرُ في حَقِّ الشَّفيعِ؛ لأنَّ حَقَّ الشَّفيعِ إنَّما يَثبُتُ إذا تمَّ العَقدُ، وإنَّما يُستحَقُّ بالثَّمنِ الذي هو ثابِتٌ حالَ استِحقاقِه، ولأنَّ زَمنَ الخيارِ بمَنزِلةِ حالةِ العَقدِ، ولأنَّ التَّغييرَ يَلحَقُ بالعَقدِ فيه؛ لأنَّهما على اختيارِهم فيه، كما لو كانَ حالَ العَقدِ، فأمَّا إذا انقَضى الخيارُ وانبَرَم العَقدُ فزادا أو نَقَصا لم يُلحَقْ بالعَقدِ؛ لأنَّ الزِّيادةَ بعدَه

<<  <  ج: ص:  >  >>