للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ حَقَّ الشُّفعةِ بسَببِ الشَّركةِ إنَّما يَثبُتُ لدَفعِ أذَى الدَّخيلِ وضَررِه، وذلك مُتوقَّعُ الوُجودِ عندَ المُجاوَرةِ، فوُرودُ الشَّرعِ هناك يَكونُ وُرودًا هنا دِلالةً، وتَعليلُ النَّصِّ بضَررِ القِسمةِ غيرُ سَديدٍ؛ لأنَّ القِسمةَ ليسَت بضَررٍ، بل هي تَكميلُ مَنافعِ المِلكِ، وهي ضَررٌ غيرُ واجِبِ الدَّفعِ؛ لأنَّ القِسمةَ مَشروعةٌ، ولهذا لم تَجِبِ الشُّفعةُ بسَببِ الشَّركةِ في العُروضِ دَفعًا لضَررِ القِسمةِ.

وأمَّا قَولُهم: يُمكِنُ دَفعُ الضَّررِ بالمُقابَلةِ بنَفسِه والمُرافعةِ إلى السُّلطانِ فنَقولُ: وقد لا يَندفِعُ بذلك، ولو اندفَعَ فالمُقابَلةُ والمُرافَعةُ في نَفسِها ضَررٌ، وضَررُ الجارِ السَّوءِ يَكثُرُ وُجودُه في كلِّ ساعةٍ فيَبقَى في ضَررٍ دائِمٍ.

وأمَّا الحَديثُ فليسَ في صَدرِه نَفيُ الشُّفعةِ عن المَقسومِ؛ لأنَّ كَلمةَ «إنَّما» لا تَقتَضي نَفيَ غيرِ المَذكورِ، قالَ اللهُ : ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [فصلت: ٦]، وهذا لا يَنفي أنْ يَكونَ غيرُه بَشرًا مِثلَه، وآخِرُه حُجةٌ عليه؛ لأنَّه علَّقَ سُقوطَ الشُّفعةِ بشَرطَينِ، هما: وُقوعُ الحُدودِ وصَرفُ الطُّرقِ، والمُعلَّقُ بشَرطَينِ لا يُتركُ عندَ وُجودِ أَحدِهما، وعندَه يَسقطُ بشَرطٍ واحِدٍ وهو وُقوعُ الحُدودِ وإنْ لم تُصرَّفِ الطُّرقُ، ثم هو مُؤوَّلٌ، وتأويلُه: فإذا وقَعَت الحُدودُ فتَبايَنَت وصُرِفت الطُّرقُ فتَباعَدَت فلا شُفعةَ، أو لا شُفعةَ مع وُجودِ مَنْ لم يَنفصِلْ حَدُّه وطَريقُه، فلا شُفعةَ بالقِسمةِ كما لا شُفعةَ بالرَّدِّ بخِيارِ الرُّؤيةِ؛ لأنَّ في القِسمةِ مَعنى المُبادلةِ، فكانَ هذا مَوضعَ الإِشكالِ، فأخبَرَ أنَّه لا شُفعةَ ليَزولَ الإِشكالُ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٤، ٥)، و «المبسوط» (١٤/ ٩٠، ٩١)، و «شرح مشكل الآثار» (٤/ ١٢٠، ١٢١)، و «الاختيارات» ص (٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>