للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ : إذا ادَّعاه اثنانِ فكانَ لأَحدِهما به بَينةٌ فهو ابنُه، وإنْ أَقاما بَينتَينِ تعارَضَتا وسقَطَتا، ولا يُمكنُ استِعمالُهما ها هنا.

وإذا لمْ تَكنُ به بَينةٌ أو تعارَضَت به بَينتانِ وسقَطَتا فإنَّا نُريه القافَةَ معهما أو معَ عَصبتِهما عند فَقدِهما، فنُلحِقُه بمَن ألحَقَتْه به منهما، وهذا قَولُ أَنسٍ وعَطاءٍ ويَزيدَ بنِ عبدِ المَلكِ والأَوزاعيِّ واللَّيثِ والشافِعيِّ وأَبي ثَورٍ.

وقالَ أَصحابُ الرَّأيِ: لا حُكمَ للقافَةِ، ويُلحقُ بالمُدَّعيَينِ جَميعًا؛ لأنَّ الحُكمَ بالقافَةِ تَعويلٌ على مُجرَّدِ الشَّبهِ والظَّنِّ والتَّخمينِ، فإنَّ الشَّبهَ يُوجدُ بينَ الأَجانبِ ويُنفى بينَ الأَقاربِ، ولهذا رُويَ عن النَّبيِّ أنَّ رَجلًا أتاه فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إنَّ امرأَتي ولَدَتْ غُلامًا أَسودَ! فقالَ: «هل لك مِنْ إِبلٍ؟» قالَ: نَعم. قالَ: «فما أَلوانُها؟» قالَ: حُمرٌ. قالَ: «فهل فيها مِنْ أَورقَ؟» قالَ: نعم. قالَ: «أنَّى أتاها ذلك؟» قالَ: لعلَّ عِرقًا نزَعَ. قالَ: «وهذا لعلَّ عِرقًا نزَعَ» مُتفَقٌ عليه.

قالوا: ولو كانَ الشَّبهُ كافيًا لاكتُفيَ به في وَلدِ المُلاعنةِ، وفيما إذا أقَرَّ أَحدُ الوَرثةِ بأخٍ فأنكَرَه الباقُونَ.

ولنا: ما رُويَ عن عائِشةَ أنَّ النَّبيَّ دخَلَ عليها يَومًا مَسرورًا تَبرقُ أَساريرُ وَجهُه، فقالَ: «ألمْ تَريْ أنَّ مُحرزًا المُدلِجيِّ نظَرَ آنفًا إلى زَيدٍ وأُسامةَ وقد غطَّيا رُؤوسَهما وبدَت أَقدامُهما»، فقالَ: «إنَّ هذه الأَقدامَ بعضُها مِنْ بعضٍ» مُتفَقٌ عليه، فلولا جَوازُ الاعتِمادِ على القافَةِ لمَا سُرَّ به النَّبيُّ ولا اعتمَدَ عليه، ولأنَّ عُمرَ قَضى به

<<  <  ج: ص:  >  >>