للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليسَ قولُه : «هي لك أو لأَخيك أو للذِّئبِ» على مَعنى التَّمليكِ، كما أنَّه إذا قالَ: أو للذِّئبِ لَم يُردْ به التَّمليكَ؛ لأنَّ الذِّئبَ لا يَملِكُ، وإنَّما يَأكلُها على مِلكِ صاحِبِها، فيَنزلُ على أَجرِ مُصيبِها، فكذلك الواجِدُ إنْ أكَلَها أكَلَها على مِلكِ صاحِبِها، فإنْ جاءَ ضمِنَها له.

وأجمَعَ العُلماءُ أنَّ صاحِبَها لو جاءَ قبلَ أنْ يَأكلَها الواجِدُ له أَخذُها مِنه، وكذلك لو ذبَحَها أخَذَها مِنه مَذبوحةً، وكذلك لو أكَلَ بَعضَها أخَذَ ما وجَدَ مِنها، فدَلَّ على أنَّها على مِلكِ صاحِبِها في الفَلواتِ وغيرِها، ولا يَزولُ مِلكُه عنها إلا بإِجماعٍ، ولا فَرقَ بينَ قولِه في الشَّاةِ: «هي لك أو لأَخيك أو للذِّئبِ» وبينَ قَولِه في اللُّقطةِ: «فشَأنَك بها»، بل هذا أَشبهُ بالتَّمليكِ؛ لأنَّه لَم يُشركْ معَه في لَفظِ التَّمليكِ ذِئبًا ولا غيرَه.

قالَ ابنُ عبدِ البرِّ : وقد أجمَعَ عُلماءُ المُسلمِينَ في اللُّقطةِ أنَّ واجِدَها يَغرَمُها إذا استهلَكَها بعدَ الحَولِ إنْ جاءَ صاحِبُها طالِبًا لها، فالشَّاةُ أَولى بذلك قِياسًا ونَظرًا.

وقد شبَّه بعضُ المُتأخِّرينَ مِنْ أَصحابِنا الشَّاةَ المَوجودةَ بالفَلاةِ بالرِّكازِ، وهذه غَفلةٌ شَديدةٌ؛ لأنَّ الرِّكازَ لَم يَصحْ عليه مِلكٌ لأَحدٍ قبلَ واجِدِه، والشَّاةُ مِلكُ ربِّها لها صَحيحٌ مُجتَمعٌ عليه، فلا يَزولُ مِلكُه عنها إلا بإِجماعٍ مِثلِه أو سُنةٍ لا إِشكالَ فيها، وهذا مَعدومٌ في هذه المَسألةِ فوجَبَ الضَّمانُ فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>