للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضمِنَها؛ لأنَّه أَقرَّ بسَببِ الضَّمانِ -وهو الأَخذُ- وادَّعى ما يُبرِّئُه -وهو الأَخذُ لمالِكِه- فلا يَبرأُ.

قالَ الكاسانِيُّ : ولأَبي حَنيفةَ وَجهانِ: أَحدُهما أنَّ أَخذَ مالِ الغيرِ بغيرِ إِذنِه سببٌ لوُجوبِ الضَّمانِ في الأَصلِ، إلا أنَّه إذا كانَ الأَخذُ على سَبيلِ الأَمانةِ بأنْ أخَذَه لصاحِبِه فيَخرجُ مِنْ أنْ يَكونَ سببًا، وذلك إنَّما يُعرَفُ بالإِشهادِ، فإذا لَم يشهَدْ لَم يَعرفْ كونَ الأَخذِ لصاحِبِه، فبَقِي الأَخذُ سببًا في حقِّ وُجوبِ الضَّمانِ على الأَصلِ.

والثانِي أنَّ الأَصلَ أنَّ عَملَ كلِّ إِنسانٍ له لا لغيرِه بقَولِه : ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)[النجم: ٣٩]، وقَولِه تَعالَى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فكانَ أَخذُه اللُّقطةَ في الأَصلِ لنفسِه لا لصاحِبِها، وأَخذُ مالِ الغيرِ بغيرِ إِذنِه لنفسِه سببٌ لوُجوبِ الضَّمانِ؛ لأنَّه غَصبٌ، وإنَّما يُعرَفُ الأَخذُ لصاحِبِها بالإِشهادِ، فإذا لَم يوجَدْ تعيَّنَ أنَّ الأَخذَ لنفسِه، فيَجبُ عليه الضَّمانُ (١).

واستَدلُّوا على شَرطِ الإِشهادِ بما رُويَ عن عِياضِ بنِ حمارٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ : «مَنْ وجَدَ لُقطةً فليَشهِدْ ذا عَدْلٍ -أو ذَوَي عَدْلٍ- ولا يَكتمْ ولا يُغيِّبْ، فإنْ وجَدَ صاحِبَها فليَردَّها عليه، وإلا فهو مالُ اللَّهِ ﷿ يؤتِيهِ مِنْ يَشَاءُ» (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠١).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٧٠٩)، وابن ماجه (٢٥٠٥)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨٠٨)، وأحمد (١٨٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>