للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُلتقِطُ أو تلِفَت بتَفريطِه ضمَنَها بمثلِها إنْ كانَت مِنْ ذَواتِ الأَمثالِ، وبقيمَتِها إنْ لَم يكنْ لها مِثلُ، لا أَعلمُ في هذا خِلافًا (١).

وكذا اتَّفقُوا على أنَّه إذا لَم يَجدْ مَنْ يُشهِدُه أو خافَ إذا أشهَدَه أنْ يَأخذَها الظَّلَمةُ فتَركَ الإِشهادَ لَم يَضمنْ إِجماعًا، ولا يُستحَبُّ له الإِشهادُ في هذه الحَالةِ.

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفُوا فيما لو التقَطَ لُقطةً ثُم تلِفَت عنده من دونِ تَعدٍّ ولا تَفريطٍ، إلا أنَّه لَم يَشهدْ عليها حينَ التقَطَها وكانَ قادِرًا على الإِشهادِ، هل يَجبُ عليه ضَمانُها لأنَّ الإِشهادَ واجِبٌ عليه؟ أم لا يَجبُ عليه ضَمانُها لأنَّ الإِشهادَ مستحَبٌّ وليسَ بواجِبٍ؟

فذهَبَ الإِمامُ أَبو حَنيفةَ وزُفرُ (ومُحمدٌ في رِوايةٍ) والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّه يَجبُ الإِشهادُ على الالتِقاطِ، فمَن التَقطَ لُقطةً وجَبَ عليه الإِشهادُ أنَّه أخَذَها ليُعرِّفَها وليرُدَّها على صاحِبِها إذا جاءَ، فإنْ تلِفَت فلا ضَمانَ عليه، فإنْ لَم يَشهدْ وضاعَت وجَبَ عليه ضَمانُها؛ لأنَّ الأَصلَ أنَّ كلَّ مُتصرِّفٍ عاقِلٍ إنَّما يَتصرفُ لنفسِه، وقد اعتَرفَ بالأَخذِ الذي هو سَببُ الضَّمانِ، ثُم ادَّعى ما يُبرئُه فلا يُصدَّقُ إلا ببيِّنةٍ، ولأنَّ الإِشهادَ لِنفيِ التَّجاحدِ، حتى لو تَصادَقا أنَّه أخَذَها للمالِكِ ليرُدَّها عليه فلا ضَمانَ عليه وإنْ لَم يُشهِدْ؛ لأنَّ تَصادُقَهما كالبيِّنةِ، وإنْ أَقرَّ أنَّه أخَذَها لنفسِه وجَبَ عليه الضَّمانُ بالإِجماعِ لإِقرارِه.

فإنْ أخَذَها ولَم يُشهِدْ وتلِفَت، ثُم قالَ: أَخذتُها للمالِكِ، وكذَّبَه المالِكُ


(١) «المغني» (٦/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>