السَّرقةِ، ومَن أخَذَها -أي اللُّقطةِ- بنِيَّةِ الأَمانةِ ثُم طرَأَ له قصدُ الخِيانةِ لَم يَضمنِ اللُّقطةَ إنْ تلِفَت بلا تَفريطٍ في الحَولِ، كما لو كانَ أودَعَه إيَّاها.
ومَن أمِنَ نفسَه على اللُّقطةِ وقوِيَ على تَعريفِها فله أَخذُها؛ لحَديثِ زيدِ بنِ خالدٍ المَذكورِ أولَ البابِ في النَّقدينِ، وقِيسَ عليهما كلُّ مُتموَّلٍ غيرَ الحَيوانِ.
والأَفضلُ لِمَنْ أمِنَ نفسَه عليها وقوِيَ على تَعريفِها ترْكُها -أي عدمُ التعرُّضِ لها.
قالَ الإمامُ أَحمدُ ﵀: الأَفضلُ ترْكُ الالتِقاطِ، ورُويَ مَعناه عن ابنِ عَباسٍ وابنِ عمرَ ﵄ ولو وجَدَها بمَضْيَعةٍ؛ لأنَّ في الالتِقاطِ تَعريضًا بنفسِه لأَكلِ الحَرامِ وتَضييعِ الوَاجبِ مِنْ تَعريفِها وأداءِ الأَمانةِ فيها، فترْكُ ذلك أَولى وأَسلمُ.
واختارَ أَبو الخَطابِ مِنْ الحَنابِلةِ أنَّه إذا وجَدَها بمَضْيَعةٍ وأمِنَ نفسَه عليها فالأَفضلُ أخْذُها (١).
وهذا الخِلافُ السابِقُ في غيرِ لُقطةِ الحاجِّ.
قالَ الإمَامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: وهذا كلُّه ما عَدا لُقطةَ الحاجِّ، فإنَّ العُلماءَ أَجمعُوا على أنَّه لا يَجوزُ التِقاطُها؛ لنَهيِه ﵊ عن ذلك، ولُقطةُ مكةَ أيضًا لا يَجوزُ التِقاطُها إلا لمُنشدٍ؛ لوُرودِ النصِّ في ذلك، والمَروِيُّ في
(١) «المغني» (٦/ ٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٦٠)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٢٢٣)، و «الإفصاح» (٢/ ٦٠).