للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرِهَه لهما، ويَجوزُ أنْ يَكونَ المَحكِيُّ عن ابنِ عباسٍ وابنِ عمَرَ فيمَن كانَ غيرَ مَأمونٍ عليها أو ضَعيفًا عن القيامِ بها، ونحن نَكرَه لغيرِ الأمينِ عليها وللضَّعيفِ عن القيامِ بها أنْ يَتعرضَ لأَخذِها، وإنما نَأمرُ به مَنْ كانَ أمينًا قويًّا.

فإنْ ترَكَها الأَمينُ ولَم يَأخذْها فتلِفَت لَم يَجبْ عليه ضمانُها، سَواءٌ قُلنا: يَجبُ عليه أخذُها، أو يُستحَبُّ له أخذُها؛ لأنَّ الضمانَ إنما يَكونُ باليدِ أو الإِتلافِ، ولَم يُوجدُ منه أَحدُهما، وإنما يُفيدُ الوُجوبُ الإثمَ لا غيرَ.

فأمَّا إذا كانَ الواجدُ لها غيرَ أَمينٍ فلا يُستحَبُّ له أَخذُها؛ لأنَّ المَقصودَ بأَخذِها حِفظُها على صاحبِها، والتَّغريرُ يَحصلُ بأَخذِه لها، فإذا ترَكَها فرُبما وجَدَها مَنْ يَحفظُها على صاحبِها (١).

فمُعتمَدُ مَذهبِ الشَّافعيةِ أنَّه يُستحَبُّ الالتِقاطُ لِواثقٍ بأَمانةِ نفسِه لِما فيه مِنْ البرِّ، وخبَرِ مُسلمٍ «واللهُ في عَونِ العَبدِ ما كانِ العَبدُ في عونِ أَخيه»، ويُكرهُ تركُه لئلَّا تقعَ في يدِ خائنٍ، وإنما لَم تَجبْ لِأنَّها أمانةُ أو كسبٌ، وكلٌّ منها لا يَجبُ ابْتداءً.

وقيلَ: يَجبُ حِفظًا لمالِ الآدميِّ كنفسِه.

وقيلَ: إنْ غلَبَ على ظنِّه ضَياعُها لو ترَكَها وجَبَ وإلا فلا.

ولا يُستحَبُّ الالتِقاطُ قَطعًا لغيرِ واثقٍ بأمانةِ نفسِه في المُستقبَلِ، وهو في


(١) «الحاوي الكبير» (٨/ ١١)، و «البيان» (٧/ ٥٢٠، ٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>