ويَنبَغي أنْ يَجريَ الخِلافُ السابِقُ في مَسألةِ إذا اتَّجرَ بمالِ الوَديعةِ فربِحَ، فعندَ أَبي يُوسفَ يَطيبُ للمُودَعِ، وعندَ أَبي حَنيفةَ ومُحمَّدٍ هو للمُودَعِ لكنْ لا يَطيبُ له ويَجبُ عليه أنْ يَتصدَّقَ به، وقد تقَدمَت المَسألَةُ بالتَّفصيلِ وبأَقوالِ العُلماءِ فيها، وهو ما وجَدتُه مُصرَّحًا به في بَيعِ المُودَعِ للوَديعةِ، كما في «المُحيطِ البُرهانيِّ» للإِمامِ بُرهانِ الدِّينِ ابنِ مازةَ حيثُ قالَ: وأَصلُ المَسألةِ: المُودَعُ إذا باعَ الوَديعةَ وربِحَ ثُم ضمِنَ هل يَطيبُ له الرِّبحُ؟ فهو على هذا الاختِلافِ.
أي عندَ أَبي حَنيفةَ ومُحمَّدٍ لا يَطيبُ له الرِّبحُ؛ لأنَّ شَرطَ الطَّيبِ عندَهما المِلكُ والضَّمانُ، والضَّمانُ ههنا وإنْ كانَ واجبًا وَقتَ المُبادلةِ فالمِلكُ لمْ يَكنْ.
وعندَ أَبي يُوسُفَ يَطيبُ له الرِّبحُ؛ لأنَّ شَرطَ الطِّيبِ الضَّمانُ ليس غيرُ، وقد وُجدَ ذلك ههنا (١).
وأما المالِكيةُ فقالُوا: مَنْ استُودِعَ إبلًا مِثلًا أو دابَّةً أو سَفينةً فتَعدَّى عليها وأَكراها لمَكةَ مَثلًا ورجِعَت بحالِها مِنْ غيرِ نَقصٍ في ذاتِها مِثلُ ما كانَت عليه يَومَ الإِيداعِ إلا أنَّه حبَسَها عن أَسواقِها -سَواءٌ كانَت للتِّجارةِ أو للقِنيةِ- بأنْ كانَت زَمنَ غَيبتِها غاليةً فربُّ الوَديعةِ مُخيَّرٌ بينَ أَمرينِ:
الأَولُ: أنْ يَأخذَ قِيمتَها يَومَ كِرائِها؛ لأنَّه يَومُ التَّعدِّي، ولا كِراءَ له معَ أَخذِ القِيمةِ.