وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ المُودَعَ إذا أرادَ سَفرًا -ولو قَصيرًا- وقد أخَذَ الوَديعةَ حَضرًا فيَجبُ عليه أنْ يَردَّها إلى المالِكِ أو وَكيلِه؛ لأنَّه قائِمٌ مَقامِه، سَواءٌ كانَ وَكيلًا خاصًّا في استِردادِها أو في عامةِ أَشغالِه ليَخرجَ مِنْ العُهدةِ، فإنْ دفَعَ لغيرِه ضمِنَ في الأَجنبيِّ ولو عَدلًا قطعًا، وفي القاضِي على الأَصحِّ؛ لأنَّه لا وِلايةَ للحاكِمِ عليه.
فإنْ فُقدَ المالِكُ أو وَكيلُه لغَيبةٍ أو حَبسٍ أو تَوارٍ ولمْ يَتمكنْ مِنْ الوُصولِ إليهما فيَردُّها إلى الحاكِمِ إذا كانَ ثِقةً مَأمونًا؛ لأنَّه نائِبُ الغائِبِ ويَلزمُه القَبولُ والإِشهادُ على نَفسِه بقَبضِها، ولو أمَرَه القاضِي بدَفعِها إلى أَمينٍ جازَ.
فإنْ فُقدَ الحاكِمُ بأنْ لمْ يَكنْ في البَلدِ حاكِمٌ أو كانَ الحاكِمُ غيرَ أَمينٍ فيَدفعُها إلى أَمين يَأتمنُه عليها لئلَّا يَتضررَ بتَأخيرِ السَّفرِ؛ لمَا رُويَ «أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَت عندَه وَدائعُ بمَكةَ، فلمَّا أرادَ الهِجرةَ أودَعَها أمَّ أَيمنَ،
(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١١١، ١١٣)، رقم (٩٦٩، ٩٧٠)، و «المعونة» (٢/ ١٨٢، ١٨٣)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢٦١)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٤٥)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ١٠٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٢٢، ١٢٣).