وهذا في حالَةِ ما إذا لمْ يَجدْ صاحِبَها حاضِرًا في البَلدِ أو مَنْ يَحفظُ مالَه أو نائِبَه في قَبضِها فأما إنْ كانَ صاحِبُها مَوجودًا في البَلدِ أو مَنْ يَحفظُ مالَه أو نائِبَه مَوجودًا وسافَرَ بها في هذه الحالَةِ فاختَلفَ الحَنابِلةُ في هذا على قَولَينِ:
الأَولُ وهو المَذهبُ (وهو قَولُ أَبي حَنيفةَ): أنَّه لا ضَمانَ عليه والحالَةُ هذه -أي وربُّها حاضِرٌ- إنْ لمْ يَخفِ المُستودَعُ عليها أو كانَ السَّفرُ أَحفظَ لها مِنْ إِبقائِها ولمْ يَنهَه ربُّ الوَديعةِ عن السَّفرِ بها والغالِبُ السَّلامةُ فعلى هذا لا يَضمنُها إنْ تلِفَت معَه، سَواءٌ كانَ به ضَرورةٌ إلى السَّفرِ أو لا؛ لأنَّه نقَلَها إلى مَوضعٍ مَأمونٍ فلمْ يَضمنْها، كما لو نقَلَها في البَلدِ وكأبٍ ووَصيٍ، وإلا بأنْ كانَ السَّفرُ ليسَ أَحفظَ، ولو استوى الأَمرانِ فلا يُسافرُ بها، فإن فعَلَ ضمِنَ.
والثاني ورجَّحَه ابنُ قُدامةَ والمِرداويُّ وغيرُهم: أنَّه إنْ سافَرَ بها معَ القُدرةِ على مالِكِها أو نائِبِه بغيرِ إِذنِه فهو مُفرِّطٌ وعليه الضَّمانُ؛ لأنَّه يُفوِّتُ على صاحِبِها إِمكانَ استِرجاعِها ويُخاطرُ بها (١).
وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ المُودَعَ إذا سافَرَ بالوَديعةِ وهو قادِرٌ على إِيداعِها عندَ أَمينٍ فهلَكَت ضمِنَها، إلا أنْ تُردَّ سالِمةً إلى مَحلِّها الذي كانَت
(١) «المغني» (٦/ ٣٠٢، ٣٠٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢١٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٤١)، و «منار السبيل» (٢/ ٢٧٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٦، ٧).