واستدَلُّوا على ذلك بحَديثِ جِبريلَ ﵇؛ فإنَّه صلَّى بالنَّبيِّ ﷺ المَغربَ في اليومَينِ في وَقتٍ واحدٍ، وقد حَكى أبو عَبد اللهِ خُوَيز مِندادُ البَصرِيُّ في كتابِه «الخِلافُ»: أنَّ الأمصارَ كلَّها بأسرِها لم يَزَلِ المُسلِمُونَ فيها على تَعجيلِ المَغربِ والمُبادَرَةِ إليها مِنْ حينِ غُروبِ الشَّمسِ، ولا نَعلمُ أحَدًا مِنْ المُسلِمِينَ تَأَخرَ بإقامةِ المَغربِ في مَسجدٍ جَماعةً عن وقتِ غُروبِ الشَّمسِ، وفي هذا ما يَكفي مِنْ العملِ بالمَدينةِ في تَعجيلِها.
قالَ أبُو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ ﵀: لو كانَ وقتُها واسِعًا لَعَمِلَ المُسلِمُونَ فِيها كعَملِهم في العِشاءِ الآخِرةِ وسائرِ الصَّلواتِ، مِنْ أَذانِ وَاحدٍ مِنْ المُؤذِّنينِ بعدَ واحدٍ، وغيرِ ذلك مِنْ الاتِّساعِ في ذلك، وفِي هذا كلِه دَلِيلٌ واضِحٌ على أنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يَزَل يُصلِّيها وَقتًا واحدًا إلى أن ماتَ ﷺ، ولَو وَسَّعَ عليهِم لَتَوَسَّعُوا؛ لأنَّ شأنَ العُلماءِ الأخذُ بالتَّوسِعةِ، إلَّا أنَّ ضِيقَ وقتِ المَغربِ ليس كالشَّيءِ الذي لا يَتجزَّأُ، بل ذلك على قَدرِ عُرفِ النَّاسِ مِنْ إسباغِ الوُضوءِ، ولُبسِ الثَّوبِ، والأَذانِ، والإقامَةِ، والمَشيِ إلى ما لا يَبعُدُ مِنْ المَساجِدِ، ونحوِ ذلك. اه (١).