القِسمةَ للضَّرورةِ التي ذكَرنا، ولا ضَرورةَ هنا، فلزِمَ اعتِبارُ الكَمالِ في القَبضِ ولا يُوجدُ في المَشاعِ، ولأنَّ الهِبةَ عَقدُ تَبرعٍ فلو صحَّت في مَشاعٍ يَحتملُ القِسمةَ لصارَ عَقدَ ضَمانٍ؛ لأنَّ المَوهوبَ له يَملكُ مُطالبةَ الواهِبِ بالقِسمةِ فيَلزمُه ضَمانُ القِسمةِ، فيُؤدِّي إلى تَغييرِ المَشروعِ، ولهذا توقَّفَ المِلكُ في الهِبةِ على القَبضِ؛ لمَا أنَّه لو ملَكَه بالعَقدِ نَفسِه لثبَتَت له وِلايةُ المُطالبةِ بالتَّسليمِ، فيُؤدي إلى إيجابِ الضَّمانِ في عَقدِ التَّبرعِ، وفيه تَغييرُ المَشروعِ، كذا هذا، بخِلافِ مَشاعٍ لا يَحتملُ القِسمةَ؛ لأنَّه هناك لا يُتصوَّرُ إيجابُ الضَّمانِ على المُتبرعِ؛ لأنَّ الضَّمانَ ضَمانُ القِسمةِ، والمَحلُّ لا يَحتملُ القِسمةَ، فهو الفَرقُ.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀: ولو قسَّمَ ما وهَبَ وأفرَزَه ثم سلَّمَه إلى المَوهوبِ له جازَ؛ لأنَّ هِبةَ المَشاعِ عندَنا مُنعقدٌ مَوقوفٌ نَفاذُه على القِسمةِ، والقَبضُ بعدَ القِسمةِ هو الصَّحيحُ؛ إذِ الشُّيوعُ لا يَمنعُ رُكنَ العَقدِ ولا حُكمَه، وهو المِلكُ، ولا سائِرَ الشَّرائطِ، إلا القَبضَ المُمكنَ من التَّصرفِ، فإذا قسَّمَ وقبَضَ فقد زالَ المانِعُ من النَّفاذِ فيَنفذُ، وحَديثُ الصِّديقِ ﵁ لا يَدلُّ عليه؛ فإنَّه قالَ لسَيِّدتِنا عائِشةَ ﵂: إنِّي كُنْتُ نحَلتُك جِدادَ عِشرين وَسقًا من مالي. وكانَ ذلك هِبةَ المَشاعِ فيما يَنقسِمُ؛ لأنَّ النَّحلَ من ألفاظِ الهِبةِ، ولو لم يَنعقدْ لمَا فعَلَه الصِّديقُ ﵁؛ لأنَّه ما كانَ ليَعقدَ عَقدًا باطِلًا، فدَلَّ قَولُ الصِّديقِ ﵁ على انعِقادِ العَقدِ في نَفسِه وتَوقُّفِ حُكمِه على القِسمةِ والقَبضِ، وهو عَينُ مَذهبِنا واللهُ أعلَمُ.