للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له من نَفسِه وأشهَدَ عليه أنَّ الهِبةَ تامةٌ، هذا قَولُ مالِكٍ والثَّوريِّ والشافِعيِّ وأَصحابِ الرأيِ، ورَوَينا مَعنى ذلك عن شُرَيحٍ وعُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ (١).

ثم إنْ كانَ المَوهوبُ مما يَفتقِرُ إلى قَبضٍ اكتُفيَ بقَولِه: «قد وهَبتُ هذا لابني وقبَضتُه له»؛ لأنَّه يُغني عن القَبولِ كما ذكَرنا، ولا يُغني قَولُه: قد قبِلتُه؛ لأنَّ القَبولَ لا يُغني عن القَبضِ، وإنْ كانَ مما لا يَفتقِرُ اكتُفيَ بقَولِه: قد وهَبتُ هذا لابني، ولا يَحتاجُ إلى ذِكرِ قَبضٍ ولا قَبولٍ.

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : أجمَعَ الفُقهاءُ على أنَّ هِبةَ الأبِ لابنِه الصَّغيرِ في حِجرِه لا تَحتاجُ إلى قَبضٍ، وأنَّ الإِشهادَ فيها يُغني عن القَبضِ، وأنَّ وَليَّها أَبوه؛ لمَا رَواه مالِكٌ عن الزُّهريِّ عن ابنِ المُسيِّبِ أنَّ عُثمانَ قالَ: «مَنْ نحَلَ وَلدًا له صَغيرًا لم يَبلُغْ أنْ يَحوزَ نُحلَه فأعلَنَ بها وأشهَدَ عليها فهي جائِزةٌ وإنْ وَليَها أَبوه» (٢).

وقالَ القاضِي: لا بدَّ في هِبةِ الوَلدِ من أنْ يَقولَ: «قد قبِلتُه»، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ؛ لأنَّ الهِبةَ عندَهم لا تَصحُّ إلا بإيجابٍ وقَبولٍ.

وقد ذكَرنا من قَبلُ أنَّ قَرائنَ الأَحوالِ ودِلالتَها تُغني عن لَفظِ القَبولِ، ولا أدَلَّ على القَبولِ من كَونِ القابِلِ هو الواهِبَ، فاعتِبارُ لَفظٍ لا يُفيدُ مَعنًى من غيرِ وُرودِ الشَّرعِ به تَحكُّمٌ لا مَعنى له، مع مُخالفتِه لظاهِرِ حالِ النَّبيِّ وصَحابتِه، وليسَ هذا مَذهبًا لأحمدَ، فقد قالَ في رِوايةِ حَربٍ


(١) «الإجماع» (٦٠٠)، و «الإشراف» (٧/ ٨٣)، رقم (٤٣٣٣).
(٢) رواه الإمام مالك في «الموطأ» (٢/ ٧٧١)، رقم (١٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>