هِبةَ الأبِ، واللهُ تَعالى أمَرَنا بإِعطائِها جَميعَ الصَّداقِ إلا أنْ تَهبَ هي شَيئًا منه له، فالآيةُ قاضيةٌ ببُطلانِ هِبةِ الأبِ؛ لأنَّه مَأمورٌ بإيتاءِ جَميعِ الصَّداقِ إلا أنْ تَطيبَ نَفسُها بتَركِه، ولم يَشترطِ اللهُ تَعالى طِيبَ نَفسِ الأبِ، فمنَعَ ما أباحَه اللهُ له بطِيبِ نَفسِها من مَهرِها وأجازَ ما حظَرَه اللهُ تَعالى من مَنعِ شَيءٍ من مَهرِها إلا بطيبِ نَفسِها بهِبةِ الأبِ، وهذا الاعتِراضُ على الآيةِ من وَجهَينِ بغيرِ دِلالةِ أحَدِهما منَعها الهِبةَ مع اقتِضاءِ ظاهِرِ الآيةِ لجَوازِها، والثاني: جَوازُ هِبةِ الأبِ مع أمرِ اللهِ الزَّوجَ بإِعطائِها الجَميعَ إلا أنْ تَطيبَ نَفسًا بتَركِه، ويَدلُّ على ذلك قَولُه تَعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، فمنَعَ أنْ يأخُذَ منها شَيئًا مما أعطاها إلا برِضاها بالفِديةِ، فقد شرَطَ رِضا المَرأةِ ولم يُفرِّقْ مع ذلك بينَ البِكرِ والثَّيبِ، ويَدلُّ عليه حَديثُ زَينبَ امرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ للنِّساءِ:«تَصدَّقنَ ولو مِنْ حُليِّكنَّ» وفي حَديثِ ابنِ عَباسٍ «أنَّ النَّبيَّ ﷺ خرَجَ يَومَ الفِطرِ فصلَّى ثم خطَبَ، ثم أَتى النِّساءَ فأمَرَهن أنْ يَتصدَّقنَ» ولم يُفرِّقْ في شَيءٍ منه بينَ البِكرِ والثَّيبِ، ولأنَّ هذا حَجْرٌ ولا يَصحُّ الحَجرُ على مَنْ هذه صِفتُه، واللهُ أعلَمُ (١).
وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ ﵀: اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّ المَرأةَ المالِكةَ لأمرِ نَفسِها إذا وهَبَت صَداقَها لزَوجِها نفَذَ ذلك عليها ولا رُجوعَ لها فيه، إلا أنَّ