للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَجهولِ؛ فإنَّ ذلك أيسَرُ لكَثرةِ وُقوعِه قَطعًا، وفي المَنعِ من ذلك وَسيلةٌ إلى تَقليلِه، فإذا وهَبَ له عَبدَه الآبِقَ جازَ أنْ يَجدَه فيَحصُلَ له ما يَنتفعُ به ولا ضَررَ عليه إنْ لم يَجِدْه؛ لأنَّه لم يَبذُلْ شَيئًا، وهذا فِقهٌ جَميلٌ، ثم إنَّ الأَحاديثَ لم يَرِدْ فيها ما يَعمُّ هذه الأقسامَ حتى نَقولَ يَلزمُ منه مُخالفةُ نُصوصِ صاحِبِ الشَّرعِ، بل إنَّما ورَدَت في البَيعِ ونَحوِه.

وأمَّا الواسِطةُ بينَ الطَّرفَينِ فهي النِّكاحُ، فهو من جِهةِ أنَّ المالَ فيه ليسَ مَقصودًا، وإنَّما مَقصِدُه المَودةُ والأُلفةُ والسُّكونُ يَقتَضي أنْ يَجوزَ فيه الجَهالةُ والغَررُ مُطلقًا، ومِن جِهةِ أنَّ صاحِبَ الشَّرعِ اشتَرطَ فيه المالَ بقَولِه تَعالى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَقتَضي امتِناعَ الجَهالةِ والغَررِ فيه، فلوُجودِ الشَّبهَين توسَّطَ مالِكٌ فجوَّزَ فيه الغَررَ القَليلَ دونَ الكَثيرِ نحوَ عَبدٍ من غيرِ تَعيينٍ، وشُورةِ -أي: مَتاعِ- بَيتٍ، ولا يَجوزُ على العَبدِ الآبِقِ والبَعيرِ الشارِدِ؛ لأنَّ الأولَ يُرجعُ فيه إلى الوَسطِ المُتعارَفِ، والثانِي ليسَ له ضابِطٌ، فامتنَعَ وأُلحِقَ الخُلعُ بأحدِ الطَّرفَين الأوَّلَين، والذي لا يَجوزُ فيه الغَررُ مُطلقًا؛ لأنَّ العِصمةَ وإطلاقَها ليسَا من بابِ ما يُقصدُ للمُعاوضةِ، بل شأنُ الطَّلاقِ أنْ يَكونَ بغيرِ شَيءٍ فهو كالهِبةِ، فهذا هو الفَرقُ بينَ القاعِدتَينِ والضابِطُ للبابَينِ، وهو الفِقهُ مع مالِكٍ فيه (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: تَصحُّ البَراءةُ من المَجهولِ، سَواءٌ كانَ مَجهولًا لهما -أي: لصاحِبِ الدَّينِ والمَدينِ- أو كانَ مَجهولًا لأحدِهما، وسَواءٌ جهِلا


(١) «الفروق» (١/ ٣٤٧، ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>