للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقطَعُ له قِطعةً من النارِ يَأتي بها أَسطامًا في عُنقِه يَومَ القيامةِ». فبَكى الرَّجلانِ وقالَ كلُّ واحِدٍ منهما: حَقِّي لأَخي، فقالَ رَسولُ اللهِ : «أمَا إذا قُلتُما فاذهَبا فاقتَسِما ثم تَوخَّيا الحَقَّ ثم استَهِما، ثم ليُحلِلْ كلُّ واحِدٍ منكما صاحِبَه» (١). ولأنَّه إسقاطٌ صَحَّ في المَجهولِ، وكما لو قالَ: «من دِرهمٍ إلى ألفٍ»، ولأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى تَبرئةِ الذِّمةِ ولا سَبيلَ إلى العِلمِ بما فيها، فلو وقَفَت صِحةُ البَراءةِ على العِلمِ لكانَ سَدًّا لبابِ عَفوِ الإِنسانِ عن أَخيه المُسلمِ وتَبرئةً لذِمَّتِه، فلم يَجزْ ذلك كالمَنعِ من العِتقِ.

قالَ الكاسانِيُّ : والدَّليلُ على جَوازِ الإِبراءِ من الحُقوقِ المَجهولةِ ما رُويَ أنَّ رَجلَين اختصَما -ثم ذكَرَ الحَديثَ السابِقَ- ثم قالَ: وعلى هذا إِجماعُ المُسلِمينَ من استِحلالِ مُعامَلاتِهم في آخِرِ أَعمارِهم في سائِرِ الأَعصارِ من غيرِ إِنكارٍ (٢).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٣٥٨٤)، وابن أبي شيبة (٢٢٩٧٤)، وأحمد (٢٦٧٦٠)، وأبو يعلى في «مسنده» (٦٨٩٧)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٥٤)، والحاكم في «المستدرك» (٧٠٣٤).
(٢) «بدائع الصنائع» (٥/ ١٧٣)، ويُنظَرُ: «شرح فتح القدير» (٦/ ٣٩٧، ٣٩٨)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ٤٣)، و «العناية» (٩/ ٨٦، ٨٧)، و «ابن عابدين» (٦/ ٤١١)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٣/ ٣٧٧)، و «التمهيد» (٢٢/ ٢٢٢)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٦)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٠٢، ١٠٣)، و «حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير» (٥/ ٤٩٠، ٤٩٢)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣، ٤)، و «البهجة في شرح التحفة» (٢/ ٣٩٤)، و «الشرح الصغير» (٩/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>