فاختَلفَ الفُقهاءُ في مِثلِ هذه الشُّروطِ التي تُنافي مُقتَضى العَقدِ، هل يَصحُّ معها عَقدُ الهِبةِ ويَبطلُ الشَّرطُ أو تَبطلُ الهِبةُ بالكُليةِ لاقتِرانِها بالشُّروطِ الفاسِدةِ أو أنَّ الشَّرطَ والعَقدَ نافِذانِ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّ العَقدَ صَحيحٌ، والشَّرطَ باطِلٌ.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀:؛ لأنَّ هذه الشُّروطَ مما لم تَمنَعْ وُقوعَ التَّصرفِ تَمليكًا للحالِ، وهي شُروطٌ تُخالِفُ مُقتَضى العَقدِ فتَبطلُ ويَبقى العَقدُ على الصِّحةِ بخِلافِ شُروطِ الرُّقبَى على ما بَيَّنَّا، وبخِلافِ البَيعِ؛ فإنَّه تُبطِلُه هذه الشُّروطُ؛ لأنَّ القِياسَ ألَّا يَكونَ قِرانُ الشَّرطِ الفاسِدِ لعَقدٍ ما مُفسِّرًا له؛ لأنَّ ذِكرَه في العَقدِ لم يَصحَّ فيُلحَقُ بالعَدمِ، ويَبقى العَقدُ صَحيحًا، إلا أنَّ الفَسادَ في البَيعِ للنَّهيِ الوارِدِ فيه ولا نَهيَ في الهِبةِ فيَبقى الحُكمُ فيه على الأصلِ، ولأنَّ دَلائلَ شَرعيةِ الهِبةِ عامةٌ مُطلقةٌ من نحوِ قَولِه تَعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾ [النساء: ٤]، وهذا يَجري مَجرَى التَّرغيبِ في أكلِ المَهرِ.
وقَولُه ﵊:«تَهادُوا تَحابُّوا»، وهذا نَدبٌ إلى التَّهادي، والهَديةُ هِبةٌ.