«دارِي لك رُقبَى» تَعليقُ التَّمليكِ بالخَطرِ؛ لأنَّ مَعنى الرُّقبَى أنَّه يَقولُ:«إنْ مِتُّ أنا قبلَك فهي لكَ، وإنْ مِتَّ أنتَ قَبلي فهي لي»، سُمِّي الرُّقبَى من الرُّقوبِ والارتِقابِ والتَّرقُّبِ -وهو الانتِظارُ-؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَنتظرُ مَوتَ صاحِبِه قبلَ مَوتِه، وذلك غيرُ مَعلومٍ، فكانَت الرُّقبَى تَعليقَ التَّمليكِ بأمرٍ له خَطرُ الوُجودِ والعَدمِ، والتَّمليكاتُ مما لا يَحتملُ التَّعليقَ بالخَطرِ، فلم تَصحَّ هِبةً وصَحَّت عارِيةً؛ لأنَّه دفَعَ إليه وأطلَقَ له الانتِفاعَ به، وهذا مَعنى العارِيةِ، وهذا بخِلافِ العُمرَى؛ لأنَّ هناكَ وقَعَ التَّصرفُ تَمليكًا للحالِ، فهو بقَولِه:«عُمرَى» وَقتَ التَّمليكِ أنَّه لا يَحتملُ التَّوقيتَ فبطَلَ وبَقيَ العَقدُ على الصِّحةِ.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀: ولا حُجةَ له -أي: لأبي يُوسفَ- في الحَديثِ؛ لأنَّ الرُّقبَى تَحتملُ أنْ تَكونَ من المُراقبةِ -وهي الانتِظارُ- ويَحتملُ أنْ تَكونَ من الإِرقابِ، وهو هِبةُ الرَّقبةِ؛ فإنْ أُريدَ بها الأولُ كانَ حُجةً له، وإنْ أُريدَ بها الثانِي لا يَكونُ حُجةً؛ لأنَّ ذلك جائِزٌ، فلا يَكونُ حُجةً مع الاحتِمالِ أو يُحملُ على الثانِي تَوفيقًا بينَ الحَديثَينِ صيانةً لكَلامِ مَنْ يَستحيلُ عليه التَّناقُضُ عنه.
وبهذا تبيَّنَ أنَّه لا اختِلافَ بينَهم في الحَقيقةِ إن كانَ الرُّقبَى والإِرقابُ مُستعمَلَين في اللُّغةِ في هِبةِ الرَّقبةِ، ويَنبَغي أنْ يَنويَ؛ فإنْ عَنى به هِبةَ الرَّقبةِ يَجوزُ بلا خِلافٍ، وإنْ عَنى به مُراقبةَ المَوتِ لا يَجوزُ بلا خِلافٍ (١).