يَقولَ:«قد حَبستُها على فُلانٍ وعلى عَقِبِه حَبسًا صَدقةً»، فإذا قالَ ذلك ولم يَقُلْ: سُكنَى لك ولوَلدِك؛ فإنَّه إذا انقرَضَ الرَّجلُ وعَقِبُه رجَعَت إلى أقرَبِ الناسِ بالمُحبسِ حَبسًا عليه. (قُلتُ): فإنْ كانَ المُحبِسُ حَيًّا؟ (قالَ): لا تَرجعُ إليه على حالٍ من الحالاتِ، ولكنْ تَرجعُ إلى أقرَبِ الناسِ منه حَبسًا عليهم. (قُلتُ): رِجالًا كانوا أو نِساءً؟ (قالَ): نَعمْ، تَرجعُ إلى أَولى الناسِ بمِيراثِه من وَلدِه أو عَصبتِه، ذُكورِهم وإناثِهم، يَدخلونَ في ذلك. (قُلتُ): وهذا الذي سألتُكَ عنه من هذه المَسائلِ كلِّها قَولُ مالِكٍ؟ (قال): نَعمْ (١).
وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: لكنَّ مالِكًا ﵀ لم يَقُلْ بظاهِرِ هذا الحَديثِ -أي: حَديثِ جابِرٍ المَذكورِ في البابِ- لمَا رَواه عن يَحيى بنِ سَعيدٍ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ القاسِمِ أنَّه سمِعَ مَكحولًا الدِّمشقيَّ يَسألُ القاسِمَ ابنَ مُحمدٍ عن العُمرَى وما يَقولُ الناسُ فيها، فقالَ القاسِمُ:«ما أدرَكتُ الناسَ إلا على شُروطِهم في أَموالِهم وفيما أعطَوْا» والقاسِمُ قد أدرَكَ جَماعةً من الصَّحابةِ وكِبارِ التابِعينَ.
وقالَ مالِكٌ: الأمرُ عندَنا أنَّ العُمرَى تَرجعُ إلى الذي أعمَرَها إذا لم يَقلْ: «لك ولعَقِبِك» إذا ماتَ المُعمَرُ، وكذلك إذا قالَ: هي لك ولعَقبِك تَرجعُ إلى صاحِبِها أيضًا بعدَ انقِراضِ عَقبِ المُعمَرِ؛ لأنَّه على شَرطِه في عَقبِ المُعمَرِ كما هو على شَرطِه في المُعمَرِ، ورَقبتُها عندَ مالِكٍ وأَصحابِه على مِلكِ صاحِبِها أبدًا، تَرجعُ إليه إنْ كانَ حَيًّا، أو إلى وَرثتِه بعدَه،