قالَ الحَنفيةُ: العُمرَى جائِزةٌ للمُعمَرِ في حالِ حَياتِه ولوَرثتِه من بعدِ مَوتِه، ومَعناه أنْ يَجعلَ دارَه له عُمرَه بشَرطِ إذا ماتَ ذلك الآخَرُ يَردُّها عليه، فيَصحُّ التَّمليكُ ويَبطُلُ الشَّرطُ، والهِبةُ لا تَبطُلُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ.
وفي «اليَنابيعِ» صُورةُ العُمرَى أنْ يَقولَ: «جعَلتُ دارِي هذه لك عُمرِي، أو جعَلتُها لك عُمرَك، أو هي لك حَياتَك، فإذا مِتَّ فهي رَدٌ علَيَّ، فهذه الأَلفاظُ كلُّها هِبةٌ، وهي له ولوَرثتِه من بَعدِه، والشَّرطُ باطِلٌ وهو رَدُّ الدارِ إذا ماتَ المُعمَرُ، وإذا كانَت هِبةً اعتُبِرَ فيها ما يُعتبَرُ في الهِبةِ ويُبطِلُها ما يُبطلُ الهِبةَ (١).
وقالَ الشافِعيةُ: لَفظُ العُمرَى والرُّقبَى من أَلفاظِ الهِبةِ، لكنَّها صِيغةٌ مَخصوصةٌ، فالعُمرَى من العُمرِ، لذِكرِ لَفظِ العُمرِ فيها والرُّقبَى من الرُّقوبِ؛ لأنَّ كلًّا منهما يَرقُبُ مَوتَ صاحِبِه، فإذا أقَّتَ الواهِبُ الهِبةَ بعُمرِ المُتَّهبِ بأنْ قالَ:«أعمَرتُك هذه الدارَ» مَثلًا، أي: جعَلتُها لكَ عُمرَك أو حياتَكَ، أو ما عِشتَ أو حَييتَ أو نحوَ ذلك، فإذا مِتَّ فهي لوَرثتِك أو لعَقِبِك. فهي هِبةٌ حُكمًا، ولكنَّه طوَّلَ العِبارةَ، فيُعتبَرُ قَبولُها وتَلزمُ بالقَبضِ وتَكونُ لوَرثتِه عَملًا بالأَحاديثِ السابِقةِ، فإذا ماتَ فالدارُ لوَرثتِه؛ فإنْ لم يَكونوا فلبَيتِ المالِ، ولا تَعودُ للواهِبِ بحالٍ.
(١) «الهداية» (٣/ ٢٣٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٨٨)، و «العناية» (١٢/ ٣٢٣)، و «الاختيار» (٣/ ٦٥)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ١٠٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٨، ١٠٩)، و «اللباب» (١/ ٦١٢)، و «ابن عابدين» (٨/ ٤٩٣).