قد ذهَبا مَثلًا بالوَرعِ، وسلَكَ سَبيلَهما في ذلك أحمدُ بنُ حَنبلٍ وأهلُ الزُّهدِ والوَرعِ والتَّقشُّفِ رَحمةُ اللهِ عليهم أجمَعينَ.
والزُّهدُ في الدُّنيا من أفضلِ الفَضائلِ، ولا يَحلُّ لمَن وفَّقَه اللهُ تَعالى وزهِدَ فيها أنْ يُحرِّمَ ما أباحَ اللهُ منها، والعَجبُ من أهلِ زَمانِنا يَعيبون الشَّهواتِ وهُم يَستحِلُّون المُحرماتِ والمُنكراتِ، ومِثالُهم عندي كالذين سأَلوا عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ عن المُحرِمِ يَقتلُ القُرادَ والقَملةَ، فقالَ للسائِلينَ: من أين أنتُم؟ فقالوا: من أهلِ الكُوفةِ، فقالَ: تَسألونَني عن هذا وأنتُم قتَلتُم الحُسينَ بنَ علِيٍّ؟!
ورَوى عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ:«ما أَتاك من غيرِ مَسألةٍ فخُذْه، وتَموَّلْه».
ورَوى أَبو سَعيدٍ الخُدريُّ وجابِرُ بنُ عبدِ اللهِ عن النَّبيِّ ﷺ مَعناه، وفي حَديثِ أحدِهما:«إنَّما هو رِزقٌ رزَقَه اللهُ»، وفي لَفظِ بعضِ الرُّواةِ:«فلا تَردَّ على اللهِ رِزقَه».
وهذا كلُّه عندَ أهلِ العِلمِ مُركَّبٌ مَبنيٌّ على ما أجمَعوا عليه، وهو الحَقُّ فيمَن عرَفَ الشَّيءَ المُحرَّمَ بعَينِه أنَّه لا يَحلُّ له. واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
وقالَ ابنُ مُفلِحٍ ﵀: فَصلٌ: ومالُ بَيتِ المالِ إنْ علِمَه حَلالًا أو حَرامًا أو علِمَهما فيه أو شَكَّ في الحَرامِ فيه فالحُكمُ على ما سبَقَ.