للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانَ إِبراهيمُ النَّخَعيُّ وسائِرُ عُلماءِ الكُوفةِ والحَسنُ البَصريُّ -مع زُهدِه ووَرعِه- وسائِرُ عُلماءِ البَصرةِ وأَبو سَلمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ وأبانُ بنُ عُثمانَ والفُقهاءُ السَّبعةُ -حاشا سَعيدَ بنَ المُسيِّبِ- يَقبَلونَ جَوائزَ السَّلاطينِ والأُمراءِ، وقبِلَ الحَسنُ والشَّعبيُّ جائِزةَ ابنِ هُبيرةَ لمَّا سألَهما عن حالِه مع عبدِ المَلِكِ، وكانَ سُفيانُ الثَّوريُّ مع فَضلِه ووَرعِه يَقولُ: جَوائزُ السُّلطانِ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِلاتِ الإِخوانِ؛ لأنَّ الإِخوانَ يَمُنُّون والسُّلطانَ لا يَمُنُّ.

ومِثلُ هذا عن العُلماءِ والفُضلاءِ كَثيرٌ، وقد جمَعَ الناسُ فيه أَبوابًا، ولأحمدَ بنِ خالِدٍ فَقيهِ الأَندلُسِ وعالِمِها في ذلك كِتابٌ حمَلَه على جَمعِه ووَضعِه طَعنُ أهلِ بِلادِه عليه في قَبولِه جَوائزَ عبدِ الرَّحمنِ الناصِرِ؛ إذْ نقَلَه إلى المَدينةِ بقُرطُبةَ، وأسكَنَه دارًا من دُورِ الجامِعِ قُربَه، وأَجرى عليه الرِّزقَ من الطَّعامِ والشَّرابِ والإِدامِ والناضِّ، وله ولمِثلِه في بَيتِ المالِ حَظٌّ، والمَسؤولُ عن التَّخليطِ فيه هو السُّلطانُ، كما قالَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ: لك المَهنأُ وعليه المَأثَمُ مَا لم تَعلمِ الشَّيءَ بعَينِه حَرامًا.

ومَعنى قَولِ ابنِ مَسعودٍ هذا قد اجتمَعَ عليه العُلماءُ «ما لم تَعلمِ الشَّيءَ بعَينِه حَرامًا مأخوذًا من غيرِ حِلِّه»، كالخُبزةِ وشِبهِها من الطَّعامِ والثَّوبِ، وما كانَ مِثلَ ذلك، كلُّه من الأشياءِ المَبيعةِ غَصبًا أو سَرقةً، أو مَأخوذةً بظُلمٍ بيِّنٍ لا شُبهةَ فيه، فهذا الذي لم يَختلِفْ أحدٌ في تَحريمِه وسُقوطِ عَدالةِ مُستحِلِّ الحُلَّةِ وأخذِه وتَملُّكِه، وما أعلَمُ أحدًا من عُلماءِ التابِعين تورَّعَ عن جَوائزِ السُّلطانِ إلا سَعيدَ بنَ المُسيِّبِ بالمَدينةِ ومُحمدَ بنَ سِيرينَ بالبَصرةِ، وهما

<<  <  ج: ص:  >  >>