للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المَعادنُ الباطنةُ: وهي التي لا يُوصَلُ إليها إلا بالعملِ والمؤنةِ، كمعادنِ الذَّهبِ والفِضةِ والحَديدِ والنحاسِ والرصاصِ والبلورِ والفيروزجِ، فإذا كانَت ظاهرةً لم تُملَكْ أيضًا بالإِحياءِ لمَا ذكَرْنا في التي قبلَها.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وإنْ لَم تَكنْ ظاهرةً فحفرَها إنسانٌ وأظهرَها لم تُملَكْ بذلك في ظاهرِ المَذهبِ وظاهرِ مذهبِ الشافِعيِّ.

ويُحتمَلُ أنْ يَملكَها بذلك، وهو قولٌ للشافعيِّ؛ لأنَّه مَواتٌ لا يُنتفَعُ به إلا بالعملِ والمؤنةِ فمُلِكَ بالإِحياءِ كالأرضِ، ولأنَّه بإظهارِه تَهيَّأَ للانتفاعِ به مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى تكرارِ ذلك العملِ فأشبَه الأرضَ إذا جاءَها بماءٍ أو حاطَها.

ووجهُ الأولِ أنَّ الإحياءَ الذي يُملَكُ به هو العِمارةُ التي تهيَّأَ بها المُحيِي للانتفاعِ مِنْ غيرِ تكرارِ عملٍ وهذا حفرٌ، وتخريبُه يَحتاجُ إلى تكرارٍ عندَ كلِّ انتفاعٍ، فإنْ قيلَ: فلو احتَفرَ بِئرًا ملكَها وملكَ حَريمَها؟

قلْنَا: البِئرُ تهيَّأَتْ للانتِفاعِ بها مِنْ غيرِ تَجديدِ حُفرٍ ولا عِمارةٍ، وهذه المَعادنُ تَحتاجُ عندَ كلِّ انتِفاعٍ إلى عَملٍ وعِمارةٍ فافتَرقا (١).

وأما الحَنفيةُ فقد نصُّوا على أنَّه ليسَ للإمامِ أنْ يُقطِعَ ما لا غَنى للمُسلِمينَ عنه مِنْ المَعادنِ الظاهِرةِ، وهي ما كانَ جَوهرُها الذي أودَعَه اللهُ في جَواهرِ الأرضِ بارِزًا، كمَعادنِ المِلحِ والكُحلِ والقارِ والنّفطِ والآبارِ


(١) «المغني» (٥/ ٣٣٢، ٣٣٣)، و «الشرح الكبير» (٦/ ١٥٤، ١٥٦)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٢٨، ٢٢٩)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>