نَعمْ، رَأيتُ في «أحكَام الصِّغارِ» لِلأْسْتُرُوشَنِيِّ عن «فَتاوى رَشيدِ الدِّينِ» قالَ القاضي: إذا فوَّضَ التَّولِيةَ إلى صَبيٍّ يَجوزُ إذا كانَ أهلًا للحِفظِ، وتَكونُ له وِلايةُ التَّصرُّفِ، كما أنَّ القاضيَ يُملِّكُ الصَّبيَّ وإنْ كانَ الوَليُّ لا يَأذَنُ. اه
وعليهِ فيُمكِنُ التَّوفيقُ بحَملِ ما في «الإسْعَاف» وغَيرِه على غيرِ الأهلِ للحِفظِ بأنْ كانَ لا يَقدِرُ على التَّصرفِ، أمَّا القادِرُ عليه فتَكونُ تَوليتُه مِنْ القاضي إذنًا له في التَّصرُّفِ، وللقاضي أنْ يَأذنَ للصَّغيرِ وإنْ لم يَأذنْ له وَليُّه.
مَطلَبٌ فيما شاعَ في زَمانِنا مِنْ تَفويضِ نَظرِ الأوقافِ للصَّغيرِ:
وبهذا نَعلمُ أنَّ ما شاعَ في زَمانِنا مِنْ تَفويضِ نَظرِ الأوقافِ لصَغيرٍ لا يُعقَلُ، وحُكمُ القاضي الحَنفيِّ بصِحةِ ذلكَ خَطأٌ مَحضٌ، ولا سِيَّما إذا شرَطَ الواقفُ تَولِيةَ النَّظرِ للأرشَدِ فالأرشَدِ مِنْ أهلِ الوَقفِ، فإنه حِينئذٍ إذا وُلِّيَ بالغٌ عاقِلٌ رَشيدٌ وكانَ مِنْ أهلِ الوَقفِ أرشَدُ منه لا تَصحُّ تَوليَتُه؛ لمُخالَفتِها شرْطَ الواقفِ، فكيفَ إذا كانَ طِفلًا لا يَعقِلُ وثَمَّ بالغٌ رَشيدٌ؟! إنَّ هذا لهُوَ الضَّلالُ البَعيدُ، واعتِقادُهم أنَّ خبَرَ الأبِ لابنِهِ لا يُفيدِ؛ لِما فيه مِنْ تَغييرِ حُكمِ الشَّرعِ ومُخالَفةِ شَرطِ الواقفِ، وإعطاءِ الوَظائفِ مِنْ تَدريسٍ وإمامَةٍ وغَيرِها إلى غَيرِ مُستحِقِّها، كما أوضَحْتُ ذلكَ في الجِهادِ في آخِرِ فَصلٍ الجِزيةِ، كيفَ ولو أَوصَى الواقفُ بالتَّولِيةِ لابنِهِ لا تَصحُّ ما دامَ صَغيرًا حتى يَكبَرَ، فتَكونُ الوِلايةُ له كما مَرَّ، وكذلكَ اعتِقادُهم أنَّ الأرشَدَ إذا فوَّضَ وأسنَدَ في مَرَضِ مَوتِه لمَن أرادَ صَحَّ لأنَّ مُختارَ الأرشَدِ أرشَدٌ فهو باطِلٌ؛ لأنَّ الرُّشدَ في أُمورِ الوَقفِ صِفةٌ قائِمةٌ بالرَّشيدِ لا تَحصلُ به بمُجرَّدِ اختِيارِ غَيرِه له، كما لا يَصيرُ الجاهِلُ