للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجابَ: إذا كانَتِ الأحباسُ المَعلومةُ المَصرِفِ قد قيلَ بجَوازِ صَرفِ فائِدِها- أي فاضِلِها- في غيرِ مَصرِفِها ممَّا هو داخِلٌ في بابِ الخيرِ وسُبلِ البِرِّ، فكيفَ بالأحباسِ التي لا يُعلَمُ مَصرِفُها؟! وقَعَ في «نَوازِل ابنِ جابرٍ» ما نَصُّه: خفَّفَ مُحمدُ بنُ إسحاقَ في تَصريفِ الأحباسِ بَعضِها في بَعضٍ.

وقد فعَلَ ذلكَ غَيرُه مِنْ القُضاةِ بقُرطُبةَ، وهو قَولُ ابنِ حَبيبٍ في كِتابِ الحَبسِ مِنْ «واضِحتِه»، وفي ذلكَ اختِلافٌ، وذكَرَ ابنُ سَهلٍ في «نَوازلِه» نحوَ ذلكَ عن بَعضِ الشُّيوخِ أنه لا حرَجَ في صَرفِ فَوائدِ الأحباسِ بَعضِها في بَعضٍ، ولا بَأسَ بما هو للهِ أنْ يُصرَفَ فيما هو للهِ (١).

وسُئِلَ ابنُ الماجَشونِ في أرضٍ مُحبَّسةٍ لدَفنِ المَوتى فضاقَتْ بأهلِها فمَلَؤوها ويُدفَنونَ في غَيرِها فلا يُدفَنُ فيها إلَّا الفاد وبِجانبِها مَسجدٌ ضاقَ بأهلِه، فأرادُوا أنْ يُوسِعوا فيهِ منها فذلكَ جائِزٌ، وذلكَ حَبسٌ كلُّه، لا بَأسَ أنْ يُصرفَ بَعضُه في بَعضٍ، قالَ أصبَغُ عن ابنِ القاسِمِ في مَقبرةٍ عَفَتْ: لا بَأسَ أنْ يُبنى فيها مَسجدٌ، وكلُّ ما كانَ للهِ فلا بَأسَ أنْ يُستعانَ ببَعضِه في بَعضٍ (٢).

وقالَ الإِمامُ القَرافِيُّ : أرزاقُ المَساجدِ والجَوامعِ يَجوزُ أنْ تُنقلَ عن جِهاتِها إذا تَعطَّلتْ أو وُجِدتْ جِهةٌ هي أَولى بمَصلحةِ المُسلمينَ مِنْ الجِهةِ الأُولى ولو كانَتْ وَقفًا أو إجارةً؛ لتَعذُّرِ ذلكَ فيها؛ لأنَّ الوَقفَ لا يَجوزُ تَغييرُه، والوَفاءُ بعَقدِ الإجارةِ واجِبٌ (٣).


(١) «المعيار المعرب» (٧/ ٩٢).
(٢) «النوادر والزيادات» للقيرواني (١٢/ ٩٠).
(٣) «الفروق» (٢/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>