للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجهُ قولِ مُحمدٍ أنه أزالَ مِلكَه بوَجهٍ مَخصوصٍ، وهو التقرُّبُ إلى اللهِ تعالى بمَكانٍ يُصلِّي فيهِ الناسُ، فإذا استغنى عنهُ فقدْ فاتَ غَرَضُه منهُ، فيَعودُ إلى مِلكِه، كما لو كَفَّنَ مَيتًا ثمَّ أكَلَه سَبعٌ وبَقيَ الكَفنُ يَعودُ إلى مِلكِه، كذا هذا.

ولأبي يُوسفَ أنه لمَّا جعَلَه مَسجدًا فقدْ حرَّرَه وجعَلَه خالِصًا للهِ تعالَى على الإطلاقِ وصَحَّ ذلكَ، فلا يُحتملُ العَودُ إلى مِلكِه كالإعتاقِ، بخِلافِ تَكفينِ المَيِّتِ؛ لأنه ما حَرَّرَ الكفَنَ وإنَّما دفَعَ حاجةَ المَيِّتِ به، وهو سَتْرُ عَورتِه، وقد استَغنى عنه، فيَعودُ مِلكًا له.

وقَولُه: «أزالَ مِلكَه بوَجهٍ وقَعَ الاستِغناءُ عنه»، قُلنا: مَمنوعٌ؛ فإنَّ المُجتازينَ يُصلُّونَ فيهِ، وكذا احتِمالُ عَودِ العِمارةِ قائِمٌ، وجِهةُ القُربةِ قد صَحَّتْ بيَقينٍ، فلا تَبطلُ باحتِمالِ عَدمِ حُصولِ المَقصودِ.

ولو وقَفَ دارًا أو أرضًا على مَسجدٍ مُعيَّنٍ، قالَ بَعضُهم: هو على الاختِلافِ؛ على قَولِ أبي يُوسفَ يَجوزُ، وعلى قَولِ مُحمدٍ لا يَجوزُ؛ بِناءً على أنَّ المَسجدَ عندَ أبي يُوسفَ لا يَصيرُ مِيراثًا بالخَرابِ، وعندَ مُحمدٍ يَصيرُ ميراثًا.

وقالَ أبو بَكرٍ الأعمَشُ: يَنبغي أنْ يَجوزَ بالاتِّفاقِ، وقالَ أبو بَكرٍ الإسكافُ: يَنبَغي ألَّا يَجوزَ بالاتِّفاقِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٢١)، ويُنظَر: «المحيط البرهاني» (٦/ ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>