قالوا: ولو وقَفَ بَقرةً على أنَّ ما يَخرجُ مِنْ لَبنِها وسَمنِها يُعطَى لأبناءِ السَّبيلِ، قالَ محمد: إنْ كانَ ذلكَ في مَوضعٍ غلَبَ ذلكَ في أوقافِهِم رَجَوتُ أنْ يَكونَ ذلكَ جائزًا.
وعنِ الأنصارِيِّ -وكانَ مِنْ أصحابِ زُفرَ- فيمَن وقَفَ الطَّعامَ أو ما يُكالُ أو يُوزَنُ أيجوزُ؟ قالَ: نعم، قيلَ: وكيفَ؟ قالَ: ما يُكالُ وما يُوزَنُ يُباعُ ويُدفعُ ثَمنُهُ مُضارَبةً أو بِضاعةً، قالَ: فعَلى هذا القِياسِ إذا وقَفَ هذا الكُرَّ مِنْ الحِنطةِ على شَرطِ أنْ يُقرَضَ للفُقراءِ الذينَ لا بَذرَ لهُم ليَزرَعوهُ لأنفُسِهِم ثمَّ يُؤخَذُ مِنهم بعد الإدراكِ قَدرُ القَرضِ ثمَّ يُقرَضُ لغَيرهِم مِنْ الفُقراءِ أبَدًا على هذا السَّبيلِ يَجبُ أنْ يَكونَ جائزًا (١).
قالَ ابنُ عابدِينَ ﵀: وبهذا ظهَرَ صِحَّةُ ما ذكَرَه المُصنِّفُ مِنْ إِلحاقِها بالمَنقولِ المُتعارَفِ على قَولِ مُحمدٍ المُفتَى به، وإنَّما خصُّوها بالنَّقلِ عن زُفرَ لأنها لم تَكنْ مُتعارَفةً إذْ ذاكَ، ولأنه هو الذي قالَ بها ابتِداءً، قالَ في «النَّهْر»: ومُقتَضى ما مَرَّ عن مُحمدٍ عَدمُ جَوازِ ذلكَ -أي وَقفِ الحِنطةِ في الأقطارِ المِصريةِ-؛ لعَدمِ تَعارُفِه بالكُلِّيةِ …
ثُمَّ قالَ: مَطلَبٌ في التَّعاملِ والعُرفِ:
(قَولُه: لأنَّ التَّعاملَ يُتركُ به القِياسُ)؛ فإنَّ القِياسَ عَدمُ صِحةِ وَقفِ المَنقولِ؛ لأنَّ مِنْ شَرطِ الوَقفِ التأبيدَ، والمَنقولُ لا يَدومُ، والتعاملُ كما في
(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٢١٩)، و «البحر الرائق» (٥/ ٢١٩)، و «مجمع الأنهر» (٢/ ٥٨٠)، و «درر الحكام» (٦/ ١٣١)، و «الفتاوى الهندية» (٢/ ٣٦٢).