فصلٌ: ومِن الدَّليلِ على جَوازِ الاستِنابةِ ما أخرَجَه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنبلٍ في زَوائدِ مُسندِ أبيهِ عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ قالَ: «لمَّا نزَلَتْ عشرُ آياتٍ مِنْ «بَراءة» دَعا النبيُّ ﷺ أبا بَكرٍ ليَقرأَها على أهلِ مَكةَ، ثمَّ دَعاني فقالَ لي: أَدرِكْ أبا بَكرٍ فحَيثُ ما لَقيتَه فخُذِ الكِتابَ منه فاقرَأْه على أهلِ مَكةَ، فلَحِقتُه فأخَذْتُ الكِتابَ منه، ورجَعَ أبو بَكرٍ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ نزَلَ فِيَّ شيءٌ؟ قالَ: لا، ولكنَّ جِبريلَ جاءَني فقالَ لي: لنْ يُؤدِّيَ عنكَ إلا أنتَ أو رَجلٌ منكَ»، وأخرَجَ أحمَدُ والتِّرمذيُّ -وحسَّنَه- عن أنسٍ قال: «بعَثَ النبيُّ ﷺ ب «بَراءَة» معَ أبي بَكرٍ ثمَّ دَعاهُ فقالَ: لا يَنبغِي لأحَدٍ أنْ يُبلِّغَ هذا إلا رَجلٌ مِنْ أهلِي، فدعَا عَليًّا فأعطاهُ إياهُ»، فهذه استِنابةٌ مِنْ النبيِّ ﷺ في تَبليغِ ما أُمرَ بتَبليغِه، ثمَّ لمَّا أُمرَ أنْ يَستَنيبَ رَجلًا مِنْ قَبيلةٍ مَخصوصةٍ رجَعَ إليهِ، فيُستدلُّ بفِعلِه أولًا على جَوازِ الاستِنابةِ مُطلَقًا إذا سكَتَ الواقفُ عن شَرطٍ، ويُستدلُّ بفِعلِه ثانيًا على أنه إذا خصَّصَ الواقفُ تَخصيصًا يُتَّبعُ شَرطُه.
وأخرَجَ التِّرمذيُّ -وحسَّنَه- عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «بعَثَ النبيُّ ﷺ أبا بَكرٍ وأمَرَه أنْ يُناديَ بهؤلاءِ الكَلماتِ، ثمَّ أتبَعَه عَليًّا فانطَلقَا فحَجَّا، فقامَ عَليٌّ أيامَ التَّشريقِ فنادَى: ذمَّةُ اللهِ ورَسولِه بَريئةٌ مِنْ كلِّ مُشرِكٍ، فسِيحُوا في الأرضِ أربَعةَ أشهُرٍ، ولا يَحجَّنَّ بعدَ العامِ مُشرِكٌ، ولا يَطوفَنَّ بالبَيتِ عُريانُ، ولا يَدخلُ الجنَّةَ إلا مُؤمنٌ، فكانَ عَليٌّ يُنادي، فإذا أعيَا قامَ أبو بَكرٍ فنادَى بِها»، فهذه نِيابةٌ مِنْ أبي بَكرٍ عن عَليٍّ، فإنه قُصدَ بالبَعثِ عَليٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute