الكُفَّارِ مِنْ غيرِ قِتالٍ ويَكونُ مِلكًا للمُستأجِرِ، ومِن ألطَفِها أيضًا ما في «فَتاوي ابنِ الصَّلاحِ» أنه يَجوزُ أنْ يَستأجرَ رَجلًا ليَقعدَ مَكانَه في الحَبسِ، فإذا كانَ هذا في الحَبسِ المَقصودِ منه الزَّجرُ والتَّعلقُ بإنسانٍ مُعيَّنٍ ففي سَدِّ وَظيفةٍ أَولَى.
فصلٌ: وأما القِسمُ الثاني: وهو ما يَكونُ عند العُذرِ ففيهِ فُروعٌ، منها جَوازُ الاستِنابةِ في الحَجِّ للمَغصوبِ، وجَوازُ الاستِنابةِ في رَميِ الجِمارِ لمن يَحجُّ بنفسِه وحصَلَ له عُذرٌ أيامَ الرَّميِ، وجَوازُ الاستِنابةِ في الصَّومِ عن المَيتِ على ما صَحَّحَه النَّوويُّ وورَدَتْ به الأحاديثُ الصَّحيحةُ، وجوازُ الاستِنابةِ في الاعتِكافِ عنه في قَولٍ حَكاهُ البُويطيُّ عن الشافعيِّ، وجَوازُ الاستِنابةِ في الصلاةِ عنه في وَجهٍ حكاهُ.
فصلٌ: ذكَرَ الحافِظُ عِمادُ الدِّينِ ابنُ كثيرٍ في تاريخِه في تَرجمةِ الشيخِ مُحيي الدِّينِ النَّوويِّ أنه باشَرَ تَدريسَ الإقباليةِ نيابةً عن ابنِ خِلِّكانَ، وكذلكَ الفَلكيَّة والرُّكنيَّة، وهذا مِنْ النَّوويِّ دَليلٌ على أنه تَجوزُ الاستِنابةُ؛ لأنه أورَعُ مِنْ أنْ يَفعلَ ما لا يَجوزُ.
فصلٌ: ومِن الدَّليلِ على جوازِ الاستِنابةِ أنَّ جَماعةً مِنْ الصَّحابةِ كانوا يُفتونَ الناسَ في زَمنِ النبيِّ ﷺ، والإفتاءُ بالأصالةِ إنما هو مَنصِبُ النبيِّ ﷺ؛ لأنه المَبعوثُ لتَبليغِ الناسِ وتَعليمِهم، وإفتاءُ العُلماءِ بعد وَفاتِه إنَّما هو بطَريقِ الخِلافةِ والوِراثةِ عنه، فإفتاؤُهُم في حَياتِه بإذنِه استِنابةٌ منه لهم ليَقوموا عنه بما هوَ مَنصِبٌ له على وَجهِ النِّيابةِ …