يَستحقُّ كَمالَ الجَعلِ أنَّ ذلكَ جائِزٌ، وأنَّ المُستنيبَ يَستحِقُّ جَميعَ المَعلومِ؛ لأنَّ النائبَ مُعِينٌ له، لكنِّي أشتَرِطُ في ذلكَ أنْ يَكونَ النائبُ مثلَ المُستنيبِ أو خيرًا منه؛ لأنَّ المَقصودَ في الجَعالةِ رَدُّ العَبدِ مثلًا، ولا يَختلِفُ باختِلافِ الأشخاصِ، والمَقصودُ في الإمامةِ العِلمُ والدِّينُ وصِفاتٌ أُخَرُ، فإذا كانَ المُتولِّي بصِفةٍ ونائبُه مِثلُه فقدْ حصَلَ الغَرضُ الذي قصَدَه مَنْ وَلَّاه، فكانَ كالصُّورةِ المَفروضةِ في الجَعالةِ، وإذا لم يَكُنْ بِصِفَتِهِ لم يَحْصُلِ الغَرَضُ، فلا يَستحقُّ واحِدٌ منهُما إنْ كانَتِ التَّوليةُ شَرطًا، وإنْ لم تَكُنْ شَرطًا استَحقَّ المُباشِرُ؛ لاتِّصافِه بالإمامةِ المُقتضيةِ للاستِحقاقِ، والاستِنابةُ في الإمامةِ تُشبِهُ التوكيلَ في المُباحاتِ، وفي معنى الإمامةِ كلُّ وَظيفةٍ تَقبلُ الاستِنابةَ كالتَّدريسِ ونَحوِه، وهذا في القَدرِ الذي لا يَعجزُ عن مُباشرتِه بنفسِه، أمَّا في ما يَعجزُ عنه فلا إشكالَ في الاستِنابةِ. هذا كلُّه كَلامُ السُّبكيِّ، ونقَلَه الشَّيخُ كَمالُ الدِّينِ الدَّميريُّ في «شَرح المنهاجِ» وأقَرَّه، ثمَّ قالَ:
كانَ الشَّيخُ فَخرُ الدِّينِ ابنُ عَساكرَ مُدرِّسًا بالعَذراويةِ والتَّقويةِ والجاروخيةِ، وهذه الثلاثةُ بدِمشقَ، والمَدرسةُ الصلاحيةُ بالقُدسِ، يُقيمُ بهذه أشهُرًا وبهذه أشهُرًا في السَّنةِ، هذا مع عِلمِه ووَرعِه.
قالَ: وقد سُئلَ في هذا الزَّمانِ عن رَجلٍ وَليَ تَدرِيسَ مَدرستينِ في بَلدتينِ مُتَباعِدتينِ كحَلَبَ ودِمشقَ، فأفتى جَماعةٌ بجوازِ ذلكَ، واستُنيبَ مِنهم قاضي القُضاةِ بهاءُ الدِّينِ أبو البَقاءِ السُّبكيُّ والشيخُ شِهابُ الدِّينِ أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ البَعلَبكيُّ وشَمسُ الدِّينِ الغَزِّيُّ والشيخُ