وقد شرَطَ الناذِرُ في نَذرِه تَعيُّنَه، فألغاهُ الشارعُ لفَضيلةِ غَيرِه عليهِ أو مُساواتِه له، فكيفَ يَكونُ شَرطُ الواقفِ الذي غَيرُه أفضَلُ منه وأحَبُّ إلى اللهِ ورَسولِه لازِمًا يَجبُ الوَفاءُ به؟! وتَعيينُ الصلاةِ في مَكانٍ مُعيَّنٍ لم يُرغِّبِ الشارعُ فيهِ ليس بقُربةٍ، وما ليسَ بقُربةٍ لا يَجبُ الوَفاءُ به في النَّذرِ، ولا يَصحُّ اشتِراطُه في الوَقفِ.
فإنْ قُلتُم: الواقفُ لم يُخرجْ مالَه إلا على وَجهٍ مُعيَّنٍ، فلَزمَ اتِّباعُ ما عيَّنَه في الوَقفِ مِنْ ذلكَ الوَجهِ، والنَّاذرُ قصَدَ القُربةَ، والقُرَبُ مُتساوِيةٌ في المَساجدِ غير الثلاثةِ، فتَعيينُ بَعضِها لَغوٌ.
قيلَ: هذا الفرقُ بعَينِه يُوجِبُ عليكُم إلغاءَ ما لا قُربةَ فيهِ مِنْ شُروطِ الوَاقِفينَ واعتِبارَ ما فيهِ قُربةٌ؛ فإنَّ الواقفَ إنَّما مَقصودُه بالوَقفِ التَّقربُ إلى اللهِ، فتَقرُّبُه بوَقفِه كتَقربِه بنَذرِه، فإنَّ العاقِلَ لا يَبذلُ مالَه إلا لِما فيه مَصلحةٌ عاجِلةٌ أو آجِلةٌ، والمَرءُ في حياتِه قد يَبذلُ مالَه في أغراضِه مُباحةً كانَتْ أو غيرَها، وقد يَبذلُه فيما يُقرِّبُه إلى اللهِ، وأمَّا بعد مَماتِه فإنَّما يَبذلُه فيما يَظنُّ أنه يُقرِّبُ إلى اللهِ، ولو قيلَ له:«إنَّ هذا المَصرِفَ لا يُقرِّبُ إلى اللهِ ﷿، أو إنَّ غيرَه أفضَلُ وأحَبُّ إلى اللهِ منهُ وأعظَمُ أجرًا» لَبادَرَ إليهِ، ولا رَيبَ أنَّ العاقِلَ إذا قيلَ له:«إذا بَذَلتَ مالَكَ في مُقابَلةِ هذا الشَّرطِ حصَلَ لكَ أجرٌ واحِدٌ، وإنْ تَركْتَه حصَلَ لكَ أجرانِ» فإنه يَختارُ ما فيهِ الأجرُ الزائِدُ، فكيفَ إذا قيلَ له:«إنَّ هذا لا أجْرَ فيهِ البَتَّةَ»؟! فكيفَ إذا قيلَ:«إنه مُخالِفٌ لمَقصودِ الشَّارعِ مُضادٌّ له يَكرَهُه اللهُ ورَسولُه»؟! وهذا كشَرطِ العُزوبيةِ مَثلًا وتَركِ