وإذا كانَتْ شُروطُ الواقفِ تَنقسِمُ إلى صَحيحٍ وباطِلٍ بالاتِّفاقِ فإنْ شرَطَ فِعلًا مُحرَّمًا ظهَرَ أنه باطِلٌ فإنه لا طاعةَ لمَخلوقٍ في مَعصيةِ الخالِقِ، وإنْ شرَطَ مُباحًا لا قُربةَ فيهِ كانَ أيضًا باطِلًا؛ لأنه شرَطَ شَرطًا لا مَنفعةَ فيه لا له ولا للمَوقوفِ عليه، فإنه في نَفسِه لا يَنتفعُ إلا بالإعانةِ على البِرِّ والتَّقوَى.
وأمَّا بَذلُ المالِ في مُباحٍ فهذا إذا بذَلَه في حَياتِه مثلَ الابتِياعِ والاستِئجارِ جازَ؛ لأنه يَنتفعُ بتَناوُلِ المُباحَاتِ في حَياتِه.
وأمَّا الواقِفُ والمُوصِي فإنهُما لا يَنتفِعانِ بما يَفعلُ المُوصَى له والمَوقوفُ عليه مِنْ المُباحاتِ في الدُّنيا، ولا يُثابانِ على بَذلِ المالِ في ذلكَ في الآخِرةِ، فلو بذَلَ المالَ في ذلكَ عَبثًا وسَفهًا لم يَكنْ فيهِ حُجةٌ على تَناوُلِ المالِ، فكيفَ إذا أُلزِمَ بمُباحٍ لا غرَضَ له فيهِ؟! فلا هو يَنتفعُ به في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ، بل يَبقَى هذا مُنفِقًا للمالِ في الباطِلِ مُسخَّرٌ مُعَذَّبٌ آكِلٌ لِلمالِ بالباطِلِ.
وإذا كانَ الشارعُ قد قالَ:«لا سَبْقَ إلَّا في خُفٍّ أو حافِرٍ أو نَصلٍ» فلمْ يُجوِّزْ بَذْلَ الجُعلِ في شَيءٍ لا يُستعانُ به على الجِهادِ وإنْ كانَ مُباحًا، وقد يَكونُ فيهِ مَنفعةٌ كما في المُصارَعةِ والمُسابَقةِ على الأقدامِ، فكيفَ يَبذلُ العِوضَ المُؤبَّدَ في عَملٍ لا مَنفعةَ فيهِ؟! لا سِيَّما والوَقفُ مُحبَّسٌ مُؤبَّدٌ، فكيفَ يحبسُ المالَ دائِمًا مُؤبَّدًا على عَملٍ لا يَنتفِعُ به هو ولا يَنتفعُ به العامِلُ؟! فيَكونُ في ذلكَ ضَررٌ على حَبسِ الوَرثةِ وسائِرِ الآدَميِّينَ بحَبسِ