للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أيضًا: فأمَّا وَقفُ الأُمَراءِ والسَّلاطينِ فلا يَتبعُ شُروطَهم؛ لأنهم لا مِلكَ لهم؛ إذْ ما بأيديهِم إمَّا مُجتَمِعٌ مِنْ المَظالِمِ أو مِنْ الغَنائِمِ أو مِنْ الجِزيةِ أو مِنْ مالٍ لا وارِثَ له ونَحوِ ذلكَ، وعلى كُلِّ حالٍ ليس لهم ممَّا بأيديهم شيءٌ، وإنَّما هو للمُسلِمينَ يُصرَفُ في المَصالِحِ العامَّةِ، فلو اشتَرَوا مِمَّا بأيديهِم عَقاراتٍ ووَقَفوها وشَرَطوا في أوقافِهِم شُروطًا فلا يَجبُ العملُ بها، فمَنْ كانَ له حقٌّ في بَيتِ المالِ ومُنِعَ منه فله أنْ يَتناوَلَ مِنْ أوقافِهم كِفايتَه ولو لم يَعملْ بما شَرَطوهُ، إلا إنْ كانَ فيما شَرَطوهُ مَصلَحةٌ للمُسلِمينَ كمُدَرِّسِ كذا مِنْ العُلومِ النافِعةِ وطالِبِ كذا منها كذلكَ، وكشَرطِهم إنْ ماتَ عن وَلدٍ وهو -أي: الوَلدُ- في مَرتَبتِه -أي: مَرتَبةِ والِدِه بأنْ يَكونَ فيهِ أهلِيةٌ للقِيامِ بوَظيفةِ أبيهِ- فالوَظيفةُ له- أي: الوَلدِ-؛ لاستِحقاقِه إيَّاها، ففي هذا كُلِّه يَجبُ العَملُ بشُروطِهم؛ إذْ في العَملِ بها مَصلحةٌ للمُسلِمينَ فيَجبُ العَملُ بها، ولا يَجبُ العَملُ بشَرطِهم إذا شَرَطوا أنَّ وَظيفةَ الوالِدِ لوَلدِه وإنْ لم يَكنْ مثلَه -أي: مثلَ والِدِه-؛ لأنَّ ذلكَ رَفعُ الشَّيءِ لغَيرِ أَهلِه ووَضعُه في غَيرِ مَحَلِّه، أو شُرِطَ لأحَدِهم أنْ يَدفَعَ كذا مِنْ رَيعِ وَقفِه لمَن يَقرَأُ الدَّرسَ مِنْ العُلومِ النَّافِعةِ في مَدرَستِه، فلا يَتعيَّنُ عليه فِعلُه في تِلكَ المَدرَسةِ، بل عليه أنْ يَقرأَ الدَّرسَ المَشروطَ في أيِّ مَوضعٍ كانَ؛ عَملًا بشَرطِ الواقفِ في الجُملةِ، أو شرَطَ أنْ يَدفعَ له كذا على أنْ يَقرأَ على قَبْرِه شيئًا مِنْ القُرآنِ في كُلِّ يَومٍ أو شَهرٍ، فلا يَجبُ العملُ بهذا الشَّرطِ؛ لأنه مُجرَّدُ غَرضٍ للواقِفِ، بل يَقرأُ في أيِّ مَوضِعٍ كانَ ويُهدي له الثَّوابَ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>