للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجابَ به حينَ سُئِلَ عن وَقفِ السُّلطانِ جَقْمَقَ، فإنه أرصَدَ أرضًا مِنْ بَيتِ المالِ على مَصالحِ مَسجِدٍ، وأَفتَى بأنَّ سُلطانًا آخَرَ لا يَملكُ إبطالَه. اه حاصِلُ ما في الرِّسالَةِ.

قلتُ: وما أَفتى به العَلَّامةُ قاسِمٌ مُشكِلٌ؛ لِما تقدَّمَ مِنْ أنها إنْ كانَتْ مِنْ حقِّ بَيتِ المالِ لا يَصحُّ، وكذا ما سَيَذكرُه الشَّارحُ في فُروعِ الفَصلِ الآتي عن «المَبسُوط» مِنْ أنَّ للسُّلطانِ مُخالَفةَ شَرطِ الواقفِ إذا كانَ غالِبُ جِهاتِ الوَقفِ قُرًى ومَزارعَ؛ لأنَّ أصلَها لبَيتِ المالِ، أي: فلم تَكنْ وَقفًا حَقيقةً، بل هي أرصادٌ أخرَجَها الإمامُ مِنْ بَيتِ المالِ وعيَّنَها لمَن يَستحِقُّ منه مِنْ العُلماءِ ونَحوِهم كما أوضَحناهُ في بابِ العُشرِ والخَراجِ والجِزيةِ، وقَدَّمْنا هُناكَ أنه إذا لم يُعلَمْ شِراؤُه لها ولا عَدمُه فالظَّاهِرُ أنه لا يُحكَمُ بصِحَّةِ وَقفِها؛ لأنَّ شرْطَه المِلكُ ولمْ يُعلَمْ، ولا يَلزمُ عِلمُه مِنْ وَقفِهِ لها؛ لأنَّ الأصلَ بَقاؤُها لبَيتِ المالِ كما يُفيدُه المَذكورُ عن «المَبسُوط» (١).

وقالَ المالِكيةُ: وَقفُ السَّلاطينِ على الخَيراتِ صَحيحٌ مع عَدمِ مِلكِهم لِما حَبَسوهُ؛ لأنَّ السُّلطانَ وَكيلٌ عن المُسلمينَ، فهو كوَكيلِ الواقفِ.

قالَ الدُّسوقِيُّ : وما ذكرَ مِنْ صِحةِ تَحبيسِهم نقَلَه ابنُ عَرفةَ عن سَماعِ مُحمدِ بنِ خالِدٍ، لَكنْ تأوَّلَه القَرافِيُّ في «الفُرُوق» على ما إذا حبَسَ المُلوكُ مُعتقِدينَ فيهِ أنهم وُكَلاءُ المُلَّاكِ، فإنْ حَبَسوهُ مُعتقِدينَ أنه مِلكُهم


(١) «ابن عابدين» (٤/ ٣٩٣، ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>