للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الطَّحاوِيُّ : حدَّثَنا يُونسُ قالَ: أخبَرَنا ابنُ وَهبٍ أنَّ مالِكًا أخبَرَه عن زيادِ بنِ سَعدٍ عن ابنِ شِهابٍ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ قالَ: «لَولا أني ذَكَرتُ صَدَقتي لرَسولِ اللهِ أو نَحوَ هذا- لَردَدتُها» (١)، فلمَّا قالَ عمرُ هذا دَلَّ ذلكَ أنَّ نَفسَ الإيقافِ للأرضِ لم يَكنْ يَمنعُه مِنْ الرُّجوعِ فيها، وأنه إنَّما منَعَه مِنْ الرُّجوعِ فيها أنَّ رَسولَ اللهِ أمَرَه فيها بشيءٍ وفارَقَه على الوَفاءِ به، فكَرِهَ أنْ يَرجعَ عن ذلكَ، كما كَرهَ عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو أنْ يَرجعَ بعد مَوتِ رَسولِ اللهِ عن الصَّومِ الذي كانَ فارَقَه عليه أنْ يَفعلَه، وقد كانَ له أنْ لا يَصومَ (٢).

قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ : واستَدلَّ الطَّحاويُّ بقَولِ عُمرَ هذا لأبي حَنيفةَ وزُفرَ في أنَّ إيقافَ الأرضِ لا يَمنعُ مِنْ الرُّجوعِ فيها، وأنَّ الذي منَعَ عُمرَ مِنْ الرُّجوعِ كَونُه ذكَرَه للنبيِّ فكَرِهَ أنْ يُفارِقَه على أمرٍ ثمَّ يُخالِفَه إلى غيرِه، ولا حُجَّةَ فيما ذكَرَه مِنْ وَجهَينِ:

أحَدُهما: أنه مُنقطِعٌ؛ لأنَّ ابنَ شِهابٍ لم يُدرِكْ عُمرَ.

ثانيهِما: أنه يَحتملُ ما قدَّمتُه، ويَحتملُ أنْ يَكونَ عُمرُ كانَ يَرى بصحَّةِ الوَقفِ ولُزومِه إلا إنْ شرَطَ الواقِفُ الرُّجوعَ فله أنْ يَرجعَ، وقد رَوى الطَّحاويُّ عن عليٍّ مثلَ ذلكَ، فلا حُجَّةَ فيه لمَن قالَ بأنَّ الوَقفَ غيرُ


(١) مُنقطِعٌ.
(٢) «شرح معاني الآثار» (٤/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>