به لا يَتحقَّقُ الخُلوصُ كلُّه، أمَّا إذا كانَ السَّفَلُ مَسجدًا فلِأنَّ لصاحِبِ العُلوِّ حقًّا في السَّفَلِ، حتى لا يَكونُ لِصاحبِ السَّفَلِ أنْ يُحدِثَ فيهِ شَيئًا مِنْ غيرِ رِضا صاحبِ العُلوِّ، وأمَّا إذا جعَلَ العُلوَّ مَسجِدًا فلِأنَّ أرضَ العُلوِّ مِلكٌ لصاحِبِ السَّفلِ، وليس له مِنْ التَّصرفاتِ شيءٌ مِنْ غيرِ رِضا صاحِبِ السَّفلِ كالبِناءِ وغَيرِه، بخِلافِ مَسجدِ بَيتِ المَقدِسِ؛ فإنَّ السِّردابَ فيه ليسَ بمَملوكٍ لأحَدٍ، بل هو لمَصالِحِ المَسجدِ، حتى لو كانَ غيرُه مِثلَه نقولُ بأنه صارَ مَسجدًا.
وأمَّا إذا اتَّخذَ وسطَ دارِه مَسجدًا فلِأنَّ مِلكَه مُحيطٌ بجَوانبِه، فكانَ له حقُّ المَنعِ مِنْ الدُّخولِ، والمَسجدُ مِنْ شَرطِهِ ألا يَكونَ لأحَدٍ فيهِ حقُّ المَنعِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [البقرة: ١١٤]، ولأنه لم يَفرِزْه حينَ أبقَى الطريقَ لنَفسِه، فلم يَخلُصْ للهِ، حتى لو عزَلَ بابَه إلى الطريقِ الأعظَمِ صارَ مَسجدًا.
ورَوى الحَسنُ عن أبي حَنيفةَ أنه أجازَ أنْ يَكونَ الأسفَلُ مَسجدًا والأعلى مِلكًا؛ لأنَّ الأسفَلَ أصلٌ وهوَ يَتأبَّدُ، ولم يجزْ عَكسهُ.
وعن مُحمدٍ عَكسُه؛ لأنَّ المَسجدَ مُعظَّمٌ، ولا تَعظيمَ إذا كانَ فَوقَه مُستَعلٍ أو مَسكنٌ، بخِلافِ العَكسِ.
وعن أبي يُوسفَ أنه أجازَ الوَجهَينِ حِينَ قَدِمَ بَغدادَ ورَأى ضِيقَ الأماكِنِ، ورُويَ عن مُحمدٍ مِثلُه حينَ قَدِمَ الرَّيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute