وعنهما أنه يُشترطُ الصلاةُ بجَماعةٍ جَهرًا بأذانٍ وإقامةٍ، حتى لو كانَ سِرًّا بأنْ كانَ بلا أذانٍ ولا إقامةٍ لا يَصيرُ مَسجدًا، ولو جعَلَ له إمامًا ومُؤذِّنًا وهو رَجلٌ واحِدٌ فصَلَّى فيه بأذانٍ وإقامةٍ صارَ مَسجِدًا اتِّفاقًا؛ لأنَّ أداءَ الصلاةِ على هذا الوَجهِ كالجَماعةِ، ألَا تَرى أنَّ المُؤذِّنَ لو صَلَّى في المَسجدِ على هذه الهَيئةِ ليسَ لمَن يَجيءُ بعدَه أنْ يُصلِّيَ بالجَماعةِ في ذلكَ المَسجدِ، وهذه الرِّوايةُ هي الصَّحيحةُ؛ لأنَّ المَساجدَ تُبنَى لإقامةِ الصلَواتِ فيها بالجَماعةِ، فلا يَصيرُ مَسجِدًا قبلَ حُصولِ هذا المَقصودِ، ولو سلَّمَ المَسجدَ إلى مُتوَلٍّ نَصَبَه ليَقومَ بمصالِحِه فالأصَحُّ أنه يَجوزُ؛ لأنَّ المَسجدَ قدْ يَكونُ له خَادِمٌ يَكنُسُ ويُغلِقُ البابَ ونَحوهُ.
وإذا صارَ مَسجدًا على اختِلافِهم زالَ مِلكُه عنه وحَرُمَ بَيعُه، فلا يُورثُ، وليسَ له الرُّجوعُ فيهِ؛ لأنه صارَ للهِ بقَولِهِ تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨]، ولا رُجوعَ فيما صارَ للهِ تعالى كالصَّدقةِ.
ومَن جعَلَ مَسجدًا تحتَه سِردابٌ أو فوقَه بَيتٌ وجعَلَ بابَه إلى الطَّريقِ وعزَلَه أو اتَّخَذَ وَسطَ دارِه مَسجِدًا وأَذِنَ للناسِ بالدُّخولِ فلهُ بَيعُه ويُورثُ عنه؛ لأنه لم يَخلُصْ للهِ؛ لبَقاءِ حقِّ العَبدِ فيه، والمَسجدُ لا يَكونُ إلا خالِصًا للهِ؛ لِما تَلَوْنا، ومع بَقاءِ حقِّ العَبدِ في أسفلِه أو في أعلاهُ أو في جَوانبِه مُحيطًا